للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفكير في احتمال تغير الأوضاع، وتحسن الحال، والحصول على الغنى والمال، بشرط أن يسعى ويضرب في الأرض وأن يكون صادق العزيمة، لايخور أمام المصائب مهما كانت شديدة عاتية ولا ينهار منها:

فسِرْ في بلاد الله والتمس الغنى ... تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا١

وقد كان عماد الصعلوك في حياته، قوته الجسدية وسلاحه الذي يحارب به، وجماعته الذين يأوي إليهم، وكان يقاتل بضراوة، قتال المستميت، لأنه إن لم يدافع عن نفسه، هلك، إذ لا أمل له في وجود عصبية تدافع عنه، أو أهل يقومون بافتدائه وتخليصه من أسر إن وقع فيه، وسبيله الوحيد لخلاصه عند قيامه بغارة: المباغتة والهرب بما قد يحصل عليه بسرعة، كي يأمن العاقبة، وعمل الحيلة في التخلص من المأزق، لكيلا يقع في أيدي متعقبه، فيكون بذلك هلاكه، وفي جملة ذلك الفرار، للنجاة بالنفس من موت محتم. وهو فرار يؤدي به إلى معاودة الغارة والتلصص، إذ لا مورد له في هذه الحياة يتعيش منه غير هذين الموردين. فحاله في هذا الفرار حال "أبي خراش" الهذلي حيث يقول:

فإن تزعمي أني جبنت فإنني ... أفر وأرمي مرة كل ذلك

أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا ... وأنجو إذا ما خفت بعض المهالك٢

ونظرا لفقر الصعاليك، وعدم وجود مال لديهم يكفل لهم شراء فرس يركبونها في غاراتهم، اعتمد أكثرهم على أرجلهم في طلب رزقهم، وفي الحصول على معاشهم، وعلى خفة حركاتهم، وسرعتهم في الهروب من تعقب المتعقبين لهم في حالتي الفشل أو النجاح. وكان من بينهم من ضرب به المثل في زمانه في شدة العدو، وفي سرعة الركض، ورويت عنه الأقاصيص في ذلك. منهم "سليك بن المقانب بن السلكة"، وهو عدّاء بالغ. يقال: أعدى من السليك٣. وقد عرفوا لذلك بـ "العدائين" لشدة عدوهم٤، جمع "عداء"، ومنهم أيضا


١ ديوان عروة "١٩١".
٢ ديوان الهذليين "٢/ ١٦٩"، الدكتور يوسف خليف، الشعراء الصعاليك "٤٠".
٣ تاج العروس "١/ ٤٠٩"، "غرب".
٤ الخزانة "٢/ ١٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>