للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كانت المرتفعات الصعبة المشرفة على المسالك والطرق الضيقة من أهم الأماكن المحببة إلى نفوس الصعاليك وقطاع الطرق، يجتمعون بالمواضع المشرفة منها على الطرق لمراقبة المارة، من "مرقبة" تخفى معالمها لئلا يراها أو يفطن لوجودها سلاك الطرق، فإذا مروا بها انقضوا عليها منها، وكأنهم هبطوا عليهم من السماء. ونجد لها ذكرا في شعر الصعاليك واللصوص وقطاع الطرق١. وقد اشتهر جبل هذيل بمرقباته، ورد: "والمرقبة جبل كان فيه رقباء هذيل"٢.

ونجد في شعر "تأبط شرا" أنه كان يغير على "أهل المواشي" و "أهل الركيب" والحبّ، وعلى "أرباب المخاض"، فعند هؤلاء ما يطمع فيه الفقير الصعلوك من مال وحب يعتاش عليه، ومن نوق حوامل٣. ونرى "الأعلم" الهذلي، يذكر أنه يغزو المترف السمين، الذي يعيش بين الستائر والكنيف، بينما هو وأمثاله لا يملكون شيئا، فإذا هاجموه، خاف وانهدّ كيانه٤. ولهذا صار الساكنون في الأرضين الخصبة والتجار والسابلة من خيرة الأهداف التي كان يترصدها الصعالكة، لعلمهم بوجود شيء عند أصحابها، أكثر مما يجدونه عند الأعراف الضاربين في البوادي النائية المكشوفة.

ويطمع الصعاليك أيضا بعضهم في بعض، فالحياة جوع وفقر، والفقر كافر لا يعرف عرف "المهنة" ولا مجاملات الصنف، ثم هم أبناء البادية، ومن طبع البادية، أن يغير أبناؤها بعضهم على بعض، للحصول على لقمة العيش، فكان الصعاليك تبعا لهذه السنة يغير بعضهم على بعض، خاصة إذا كانوا صعاليك متعادية. فكان بين صعاليك هذيل وصعاليك فهم، عداء شديد، وحقد دفين، بسبب العداوة بين الحيين٥، عداوة مرجعها تجاور الحيين، واختلاف مصالحهما الحيوية، وطمع القبيلتين في "بجيلة"، و "بجيلة" في جوار "الطائف"، وهي غير


١ الشعراء الصعاليك "١٨٦ وما بعدها".
٢ تاج العروس "١/ ٢٧٦"، "رقب".
٣
فيوما على أهل المواشي وتارة ... لأهل ركيب ذي ثميل وسنبل
ولكن أرباب المخاض يشفهم ... إذا اقتفروه واحدا أو مشيعا
الأغاني "١٨/ ٢١٧"، حماسة أبي تمام "٢/ ٢٨".
٤ الشعراء الصعاليك "٢٣٧".
٥ شرح أشعار الهذليين "١/ ٢٣٣ وما بعدها"، الشعراء الصعاليك "٤٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>