للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإما أن يصفح عنك فعدت ملكا عزيزا، وإما أن يصيبك، فالموت خير من أن تتلعب بك صعاليك العرب ويتخطفك ذئابها"١، وفي نصيحة هانئ للنعمان، وإشارته فيها إلى "صعاليك العرب" دلالة على انتشارهم في كل مكان. وأنهم صاروا خطرا على الأمن، يحسب له كل حساب.

ولما خلع "امرؤ القيس"، وصار ضليلا خليعا، "جمع جمعا من حمير وغيرهم من ذؤبان العرب وصعاليكها"٢، وأخذ يغير بهم على أحياء العرب، وما كان "امرؤ القيس" ليجمع جمعهم ويحزبهم حزبه لو لم تكن في نفسه حاجة إليهم، فقد كانوا قوة، وقد صاروا رعبا يخيف الناس، كالذي كان في جبل "تهامة" من تكتل خليط من كنانة ومزينة والحكم والقارة والسودان، من تكتلهم وتحزبهم وأخذهم من كان يمر بالغارة والنهب والسلب، بقوا على ذلك أمدا ثائرين على مجتمعهم، حتى ظهر الإسلام، فكاتبهم الرسول، وأمنهم أنهم أن آمنوا وأقاموا الصلاة، وصدقوا، "فعبدهم حر، ومولاهم محمد، ومن كان منهم من قبيلة لم يردّ إليها، وما كان فيهم من دم أصابوه أو مال أخذوه، فهو لهم، وما كان لهم من دين في الناس رد إليهم، ولا ظلم عليهم ولا عدوان"٣. فهم قوم متمردون ثائرون لايعطون أحدا طاعة، إلا طاعة أنفسهم والمترئس فيهم. ولعل هذا هو الذي حدا بأهل النسب والأخبار أن يقولوا: "والخلعاء: بطن من بني عامر بن صعصعة ... كانوا لا يعطون أحدا طاعة"٤.

وهكذا وضع "الصعاليك" أنفسهم في خدمة من يريد استخدامهم لتحقيق أهدافه التي يريدها، مقابل ترضيتهم وإعاشتهم، كما يفعل الجنود المرتزقة هذا اليوم من خدمة الدول الأجنبية، بانضمامهم إلى الفرق الأجنبية، كما هو الحال في "فرنسا" مثلا لاستخدامهم في القتال.

وقد جعلت حياة التشرد والغارات والهروب والفرار إلى مواضع بعيدة نائية وفي مجاهل البوادي، الصعاليك من أعلم الناس بدروب جزيرة العرب، وبالمواضع


١ الأغاني "٢/ ١٢٦"، الخزانة "١/ ١٨٥ وما بعدها".
٢ الخزانة "٣/ ٥٣٢"، "جمع جمعا من بني بكر بن وائل وغيرهم من صعاليك العرب"، معاهد التنصيص "١/ ٥".
٣ ابن سعد، طبقات "١/ ٢٧٨"، "صادر".
٤ تاج العروس "٥/ ٣٢١".

<<  <  ج: ص:  >  >>