للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصعبة منها بصورة خاصة. وقد وصف "السليك"، "البعيد الغارة" بأنه "أدل من قطاة"، ونعت الصعاليك جميعا بأنهم "أهدى من القطا"١، وافتخر الصعالكة أنفسهم بأنهم كانوا يعرفون عن خفايا البوادي والجبال ما لا يعرفه أحد غيرهم، وبذلك كانوا ينجون أنفسهم من تعقب المتعقبين لهم٢.

ونجد لشذاذ العرب، ذكرا في أخبار الغزو في أخبار الأخذ بالثأر، وفي أخبار من كان يريد الانتقام من أعدائه، فلما غزا "زيد الخيل" الطائي "بني عامر" ومن جاورهم من قبائل العرب من قيس، "جمع طيئا وأخلاطا لهم، وجمعوا من شذاذ العرب"٣. ولما غزا "زهير بن جناب" الكلبي، بكرا وتغلب أخذ "من تجمع له من شذاذ العرب والقبائل" وغيرهم فغزا بهم٤. وقد كان هؤلاء "الشذاذ" على استعداد لوضع أنفسهم في خدمة من يريد استخدامهم في مقابل أجر، أو يتكفل بإعاشتهم وإرزاقهم، أو من يرزقهم غنيمة من غارة يساهمون فيها، فلما أراد "أبو جندب" الهذلي، الأخذ بثأر جارين له قتلهما "بنو لحيان"، قدم مكة، فأخذ جماعة من خلعاء بكر وخزاعة، وخرج بهم على بني لحيان، وكان قد "قدم مكة، فواعد كل خليع وفتك في الحرم أن يأتوه يوم كذا وكذا، فيصيب بهم قومه"، ليثأر لأخيه٥.

وكانت مكة على ما يظهر من أخبار أهل الأخبار، مكانا أوى إليه ذؤبان العرب وخلعاؤهم وصعاليكهم، حتى كثر عددهم بها، لما وجدوه فيها من حماية ومعونة، وكان أحدهم إذا جاءها، نادى قريشا نداء النخوة لتؤويه وتجيره، فيقوم أشرافها بحمايته وتقديم الجوار له، ومن هنا نجد الفتاك وأهل الغي والضلال يجوسون خلالها في أمن وسلام، لحرمة المدينة ولحرمة حقوق الجوار، ولعل المصالح الاقتصادية التي كانت تجنيها قريش من هذا الإيواء، كانت السبب الأول في جعل سراتها يقدمون العون والجوار لأولئك الذؤبان الفتاك الذين كانوا لا يتورعون عن الإقدام على أي عمل مهما كان شأنه خطيرا، حتى وإن كان فيه هلاكهم،


١ الأغاني "١٨/ ١٣٤"، المرزباني "٤٦٨"، الشعراء الصعاليك "٥٤".
٢ الأصمعيات "١/ ٣٥".
٣ الأغاني "١٦/ ٥٢".
٤ الأغاني "٢١/ ٩٦".
٥ الأغاني "٢١/ ٦٢ وما بعدها"، شرح أشعار الهذليين "١/ ٨٣ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>