للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو جاء بالأذى على من أحسن إليهم وأجارهم، فهم قوم أصابهم طيش وركبهم التمرد والحقد على المجتمع، فهم لا يبالون بارتكاب أية موبقة ولو وقعت منهم في الحرم، فقد كان في وسع تجار قريش تأمين تجارتهم بالإحسان إلى هؤلاء الذين كان في استطاعتهم مهاجمة القوافل ونهب ما معها من أموال، كما كان بإمكانهم استخدامهم حراسا يخرجون مع قوافلهم لحراستها من بقية الصعاليك إلى وصولها إلى الأماكن التي تريدها، كما كان في استطاعتهم الاستفادة من الفتاك في الفتك بمن يناصبهم العداء، وفي القضاء على كل من يريد التحرش بقرشي أو بأموال قريش أو حلفائهم. وبذلك تمكنوا من حماية تجارتهم من الصعاليك ومن الأعراب الذين تمر تجارة قريش بهم، وإن كانت قريش قد أمنت جانبهم أيضا بعقد حبالها مع سادات القبائل بإيلاف عرف بـ "إيلاف قريش" في القرآن الكريم.

وكان "البراض"، وهو "رافع بن قيس" وهو من الفتاك، قد لجأ إلى مكة، فحالف "بني سهم" من قريش، فعدا على رجل من هذيل فقتله، فخلعه "العاص بن وائل" فأتى "حرب بن أمية" فحالفه، فعدا على رجل من خزاعة فقتله وهرب إلى اليمن، فخلعه "حرب"، فلما ضاقت به السبل ذهب إلى الحيرة، وطلب من النعمان أن يجير له "لطيمته"، فقال له "الرحال بن عروة": "أنت تجيرها على أهل الشيح والقيصوم؟ وإنما أنت كلب خليع! " فأعطاها "النعمان" إلى "عروة"، فخرج "البراض" في أثره، فلما انتهي إلى "أوارة" قتله وانتهب اللطيمة، فكان بسببه حرب الفجار بين كنانة وقيس١.

وبين الصعاليك قوم من "الغربان" "غربان العرب"، وأغربة العرب سودانهم. شبهوا بالأغربة في لونهم، وكلهم سرى إليهم السواد من أمهاتهم٢. تصعلكوا لازدراء قومهم لهم، ولانتقاص أهلهم لشأنهم، وعدم اعتراف آبائهم ببنوتهم لهم، لأنهم أبناء إماء. أو لفقرهم، وظلم المجتمع لهم، وعدهم طبقة مملوكة، هم والحيوان المملوك سواء بسواء. ليس لأحدهم جسمه، ولا أهله ولا نسله، وكل ما يملكه وما يحصل عليه يكون ملك سيده، ومن خالف أمره منهم، جاز لسيده قتله، ولسيده حق الاستمتاع بمملوكته وبجواريه من غير


١ المحبر "١٩٥ وما بعدها".
٢ تاج العروس "١/ ٤٠٩"، "غرب".

<<  <  ج: ص:  >  >>