للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيد ولا شرط. وهذا ما جعل بعض الرقيق يهرب من سيده، فرارا من ظلمه، لينضم إلى الصعاليك، أو ليكون عصابة تلجأ إلى الجبال والكهوف، تهاجم المارة، والأحياء، لتحصل على ما تتعيش به. ولما ظهر أمر الرسول، كتب لجماعة كانوا في جبل تهامة قد غصبوا المارة، وهم خليط من كنانة ومزينة والحكم والقارة، ومن فر من سادته من العبيد، كتابا، فيه أنهم "إن آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، فعبدهم حر، ومولاهم محمد، ومن كان منهم من قبيلة لم يرد إليها، وما كان فيهم من دم أصابوه أو مال أخذوه، فهو لهم، وما كان لهم من دين في الناس رد إليهم، ولا ظلم عليهم ولا عدوان"١.

وأغربة العرب، أو أغربة الصعاليك بتعبير أصدق، كثيرون، فقد كانت عادة اتصال العرب بالزنجيات منتشرة في الجاهلية، وقد أولدت طبقة من الهجناء امتازت بسرعة العدو وبالشجاعة، وبتحمل المشقات، وكلها من مولدات الظروف. ولكن أشهر أغربة الصعاليك: السليك بن السلكة، وتأبط شرا. وقد جعل "ابن قتيبة" أغربة العرب ثلاثة: عنترة، وخفاف بن عمير الشريدي، والسليك بن عمير السعدي٢، ولكن عددهم أكثر من ذلك بكثير، يدخل فيهم الصعاليك وغيرهم.

أما الباقون، فهم من شذاذ العرب، ومن الخلعاء المطرودين المنبوذين، الذين طردوا من أهلهم أو من عشيرتهم وقبيلتهم، وحرموا من "العصبية"، فلا أحد يسأل عنهم، ولا أحد يسأل عن جرائرهم وأعمالهم، فدمهم هدر، ومسئوليتهم على عاتقهم وحدهم. وهم من عشائر مختلفة، فلا ينتسبون إلى نسب واحد، ونسبهم الوحيد الذي يربط بينهم، هو الصعلكة، والتمرد على المجتمع والتشرد في البوادي والهضاب والجبال، ولهذا نجد الصعاليك من مختلف قبائل وعشائر جزيرة العرب، قد يتكتلون في مجموعات تضم صعاليك من قبيلة واحدة، وقد يتكتلون في جماعات مختلفة. وتكون الألفة بين صعاليك القبيلة الواحدة أشد وأقوى من الألفة التي تكون بين صعاليك القبائل المختلفة، لما يكون


١ ابن سعد طبقات "١/ ٢٧٨"، "ذكر بعثة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الرسل بكتبه إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام وما كتب به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لناس من العرب وغيرهم".
٢ الشعر والشعراء "١/ ١٧٢"، "دار الثقافة"، "عنترة"، الأغاني "٨/ ٢٤٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>