للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسمن وغيره يجوع، على حين كان "عروة" يختار الجوع، ليأكل الجياع، لتعود إليهم القوة والحياة، ولا يبالي هو بنفسه إن جاع، وفي ذلك يقول:

وإني امرؤ عافى إنائي شركة ... وأنت امرؤ عافى إنائك واحد

أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى ... بوجهي شحوب الحلق والحق جاهد

أقسم جسمي في جسوم كثيرة ... وأحسو قراح الماء والماء بارد

وكان قد قال هذه الأبيات ردا على أبيات "قيس بن زهير" التي خاطب بها "عروة" بقوله:

أذنب علينا شتم عروة خاله ... بغرة أحساء ويوما ببدبد

رأيتك ألَّافا بيوت معاشر ... تزال يد في فضل قعب ومرفد١

وللأخفش حديث عن مروءة "عروة" وعن إنسانيته فيقول: "عن ثعلب عن ابن الأعرابي، قال: حدثني أبو فقعس، قال: كان عروة إذا أصابت الناس سنة شديدة تركوا في دارهم المريض والكبير والضعيف؛ وكان عروة يجمع أشباه هؤلاء من دون الناس، من عشيرته في الشدة، ثم يحفر لهم الأسراب، ويكنف عليهم الكنف، ويكسبهم، ومن قويَ منهم، إما مريض يبرأ من مرضه، أو ضعيف تثوب قوته، خرج به معه فأغار، وجعل لأصحابه الباقين في ذلك نصيبا، حتى إذا أخصب الناس وألبنوا، وذهبت السنة، ألحق كل إنسان بأهله، وقسم له نصيبه من غنيمة إن كانوا غنموها، وربما أتى الإنسان منهم أهله وقد استغنى، فلذلك سمي: عروة الصعاليك"٢.

ومن هنا عد من أصحاب الكرم والسماحة والسخاء. حتى قيل إن عبد الملك قال: "من زعم أن حاتما أسمح الناس، فقد ظلم عروة بن الورد"٣. وقيل إنه بلغه عن رجل من بني "كنانة بن خزيمة"، أنه من أبخل الناس وأكثرهم مالا، فبعث عليه عيونا، فأتوه بخبره فشد على إبله فاستقاها ثم قسمها في


١ ديوان عروة "٥١ وما بعدها".
٢ ديوانه "٨ وما بعدها"، الأغاني "٣/ ٧٨ وما بعدها"، التبريزي، شرح حماسة أبي تمام "٢/ ٩"، جمهرة أشعار العرب "١١٤ وما بعدها".
٣ ديوان عروة "٣"، الأغاني "٣/ ٧٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>