للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النحوي كان يقول: "لو تمنيت أن أقول شعرا ما تمنيت إلا هذا"١، أي القصيدة المذكورة.

وفي شعره الذي قيل إنه قاله للنعمان بن المنذر، وكان قد نزل معه في ظل شجرة مونقة ليلهو النعمان هناك، مثال على الحث على الزهد والابتعاد عن الدنيا والإقناع بنبذها والترهب في هذه الحياة، تحدث فيه على لسان الشجرة، مخاطبا الملك، قائلا له بعد أن رأى ما عليه من الأنس والحبور: أيها الملك؟ أبيت اللعن، أتدري ما تقول هذه الشجرة؟ قال: وما الذي تقول؟ قال: تقول:

من رآنا فليحدث نفسه ... أنه موف على قرن زوال

وصروف الدهر لا يبقى لها ... ولما تأتي به صمُّ الجبال

رب ركب قد أناخوا حولنا ... يمزجون الخمر بالماء الزلال

إلى أن يقول:

ثم أضحوا عصف الدهر بهم ... وكذاك الدهر حالًا بعد حال

قالوا: فتنغص النعمان، ونزع ملكه، وخلعه عنه، وترهب إلى غير ذلك من أشعار له، فيها هذا المعنى من الترغيب في الزهد والإبعاد عن لذائذ الدنيا٢.

و"حكي عن النعمان بن المنذر، أنه خرج متصيدا ومعه عدي بن زيد العبادي فمر بآرام -وهي القبور-، فقال عدي: أبيت اللعن أتدري ما تقول هذه الآرام؟ قال: لا. قال: إنها تقول:

أيها الركب المخفو ... ن على الأرض تمرون

لكما كنتم فكنا ... وكما كنا تكونون٣

والشعر المنسوب إلى "عدي" الذي أدى على حد قول علماء الأخبار إلى


١ بلوغ الأرب "٣/ ١١٩".
٢ المبرد، الكامل "١/ ٢٩٤"، العمدة "١/ ٢٢٣"، الجمان في تشبيهات القرآن "٣٠٨"، المحاسن والأضداد "٣٦".
٣ المحاسن والأضداد "٣٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>