للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونجد في بطون كتب السير والمغازي والتواريخ، نماذج طيبة من هذا الشعر: شعر القتال. قال المحاربون عند خروجهم من صفوف المقاتلين لمقابلهم من سيخرج من الجانب الثاني.

وتولد من هذا النوع من الشعر شعر آخر قيل في معارك الفتوح. في المعارك التي وقعت مع عرب الحيرة، ثم مع الفرس، وفي المعارك التي حدثت بين المسلمين وبين الغساسنة، وبين المسلمين والروم، ثم في الفتوحات الأخرى. فقد ساهم في هذا القتال شعراء مخضرمون، حاربوا في الجاهلية، وحاربوا في الإسلام. وحافظوا على تقاليدهم وأعرافهم القديمة التي كانت لهم في الجاهلية عند القتال، من التحمس في القتال والاندفاع من الصفوف إلى الأمام لمبارزة من قد يبرز لهم لمقاتلتهم، ومن التغني بالقتال ومبارزة العدو. ونجد في كتب الفتوح والتأريخ والأخبار، نماذج من هذا الشعر. ونجد في شعر "قيس بن مكشوح" المرادي وصفا ليوم القادسية، وفخرا بسيره مع جمع من قومه من "صنعاء" إلى وادي القرى فديار كلب، إلى اليرموك، فالشام، ثم القادسية بعد شهر، ثم مقابلته جمع كسرى وأبناء المرازبة، وهجومه على رأس الفرس١، ولو جمعنا هذا الشعر الذي قيل في هذا القتال لكوّنّا منه ديوانا٢، يصور هجرة القبائل العربية من مواطنها إلى البلاد المفتوحة، ويتحدث عن الأبطال الذين ساهموا في جمع هذا الديوان، والملحمة الشعرية التي تروي قصص الفتوح، وما قام به المحاربون الشجعان في حروب الفتح٣.

وهناك شعراء أسلموا، لكن قلوبهم بقيت على ما كانت عليه قبل الإسلام من عدم الاهتمام بأمور الدين، فلم يحفلوا بالإسلام، ولم يذكروا الرسول، وهم شعراء أهل البادية الأعراب.

وطالما كان يأتي الشعراء إلى "يثرب" على طريقتهم في الجاهلية في إنشاد شعرهم أمام رجل منهم عظيم، مثل ملوك الحيرة أو الغساسنة، أو سادات القبائل. فيقف الشاعر أمام الرسول لينشده شعره الذي أعده لهذه المناسبة، أو ليقول شعرا


١ الإصابة "٣/ ٢٦١"، "رقم ٧٣١٥"، الاستيعاب "٣/ ٢٣٥".
٢ كارلو نالينو، تأريخ الأداب العربية "١١٦".
٣ بروكلمان، تأريخ الأدب العربي "١/ ١٧٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>