للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمناسبة. ولما قدم وفد "تميم"، المدينة، ودخلوا المسجد، وقالوا: "يا محمد، جئناك لنفاخرك، فائذن لشاعرنا وخطيبنا، قال: نعم، أذنت لخطيبكم فليقل، فخطب: "عطارد بن حاجب"، فلما انتهى قال الرسول لثابت بن قيس بن شماس، أجبه، فأجابه. ثم قالوا: يا محمد، ائذن لشاعرنا، فقال: نعم، فقام الزبرقان بن بدر فقال:

نحن الكرام فلا حي يعادلنا ... منا الملوك وفينا تنصب البيع

فلما انتهى، أجابه حسان، فحكموا أن خطيب المسلمين أخطب من خطيب تميم، وأن شاعر الرسول أشعر من شاعرهم١.

وعادة التفاخر في مجالس الملوك وسادات القبائل، وإنشاد الشعر في ذلك، ورد الشعراء بعضهم على بعض، دفاعا عن قومهم، من العادات الجاهلية القديمة، التي بقيت في الإسلام كذلك، ولما أخذت الوفود تفد على الرسول بعد فتح مكة، كان في أعضائها من يخطب على طريقتهم في الخطابة، ومنهم من ينشد الشعر، ثم يعلنون إسلامهم، ومنهم من يشترط شروطا، وكان من بين المسلمين من يتولى الرد عليهم، وقد يجيبهم الرسول بنفسه.

وقد كره الإسلام من الشعر الجاهلي الشعر الذي يتعرض بالأعراض ويتحرش بعورات الناس، والشعر الذي يهيج الفتن، ويلقي البغضاء بين الإخوة، فيعيدها فتنة جاهلية، ومن هنا جاء النهي عنه في قوله: "لأن يمتلئ جوف رجل قيحا يريه خير له من أن يمتلئ شعرا" ٢، ولم يأت في عامة الشعر. وأخذ الخلفاء الشعراء الهجائين متى أقذعوا في شعرهم، وتحاملوا فيه على الناس، تحاملا يغض منهم. وهنا حبس "عمر" الحطيئة، وكان يقف بالمرصاد لمن يفعل فعله في نهش أعراض الناس. ولذلك تخوف المخضرمون في شعرهم من شعر الهجاء واحترسوا فيه امتثالا للمثل الإسلامية التي تأمر بالابتعاد عن ذكر المثالب والامتناع عن إيذاء الناس، وخوفا من تأديب الخلفاء لهم إن نهشوا أعراض المسلمين.


١ الطبري "٣/ ١١٥"، "قدوم وفد تميم ونزول سورة الحجرات".
٢ البخاري، "كتاب الزكاة، باب قوله تعالى: {لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} ، وفي أبواب أخرى، شرح النووي على صحيح مسلم "٩/ ١٠٠ وما بعدها"، "حاشية على إرشاد الساري"، زاد المسلم "١/ ٣٥٠ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>