للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوضوء مما مست النار- إنما تنفي الإيجاب، لا الاستحباب ولهذا قال صلى الله عليه وسلم للذي سأله: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ، ولولا أن الوضوء من ذلك مستحب لما أذن فيه، لأنه إسراف وتضييع للماء بغير فائدة. اهـ. والله أعلم.

وظاهر الرواية الثانية عشرة أن أكل لحوم الإبل يوجب الوضوء، وكأن لحوم الإبل مستثناة مما مسته النار، إذ جاء في هذه الرواية "أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ. قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم فتوضأ من لحوم الإبل" وإلى هذا ذهب الإمام أحمد وإسحق بن راهويه وابن المنذر وابن خزيمة، وفي توجيه هذا الحكم قال الدهلوي: والسر في إيجاب الوضوء من لحوم الإبل على قول من قال به أنها كانت محرمة في التوراة، واتفق جمهور أنبياء بني إسرائيل على تحريمها، فلما أباحها الله تعالى لنا شرع الوضوء منها لمعنيين:

أحدهما: أن يكون الوضوء شكرا لما أنعم الله علينا من إباحتها بعد تحريمها على من قبلنا.

وثانيهما: أن يكون الوضوء علاجا لما عسى أن يختلج في بعض الصدور من إباحتها بعد ما حرمها الأنبياء من بني إسرائيل، فإن النقل من التحريم إلى كونه مباحا يناسبه إيجاب الوضوء منه ليكون أقرب إلى اطمئنان نفوسهم. اهـ.

وقال الطحاوي: قد فرق قوم بين لحوم الغنم ولحوم الإبل، فأوجبوا في أكل لحوم الإبل الوضوء، ولم يوجبوا ذلك في أكل لحوم الغنم لما في لحوم الإبل من الغلظ، ومن غلبة ودكها على يد آكلها، وأباح أن لا يتوضأ من لحوم الغنم لعدم ذلك منها. اهـ.

وذهب الجمهور -ومنهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وأبو الدرداء ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابه إلى أن أكل لحوم الإبل غير ناقض للوضوء.

وقالوا: إن المراد من الوضوء في الحديث الوضوء اللغوي، أي الغسل والتنظيف، وهو من لحوم الإبل آكد منه من غيرها من اللحوم. وقالوا: لما كان لحم الإبل فردا مما مسته النار، وقد نسخ وجوب الوضوء منه بجميع أفراده استلزم نسخ وجوبه من لحوم الإبل، فهو فرد من أفراد العام الذي نسخ، وإذا نسخ العام الذي هو وجوب الوضوء مما مست النار نسخ كل فرد من أفراده ومنه لحوم الإبل، وقالوا: إن الإبل والغنم سواء في حل بيعهما وشرب لبنهما وطهارة لحومهما، وأنه لا تفترق أحكامهما في شيء من ذلك، فاقتضى أن يكونا في أكل لحومهما سواء: فكما صح أنه لا وضوء من أكل لحوم الغنم فكذلك لا وضوء من أكل لحوم الإبل.

كما أن ظاهر الرواية الثانية عشرة جواز الصلاة في مرابض الغنم، وعدم جوازها في مبارك الإبل، ومثل ذلك روى الترمذي عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل" وروى أبو داود حديث البراء وفيه "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشيطان" كما روى ابن ماجه عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل، فإنها خلقت

<<  <  ج: ص:  >  >>