من الشيطان" وذكر الطبراني في الأوسط حديث أسيد بن حضير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "توضئوا من لحوم الإبل، ولا تصلوا في مناخها".
وذكر أبو يعلى في مسنده حديث طلحة بن عبيد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ من ألبان الإبل ولحومها، ولا يصلي في أعطانها" وذكر أحمد في مسنده حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يصلي في مرابض الغنم، ولا يصلي في مرابد الإبل والبقر" وذكر أحمد والطبراني أيضا حديث يعيش الجهني قال: "عرض أعرابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: تدركنا الصلاة ونحن في أعطان الإبل، أفنصلي فيها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا".
ولا خلاف بين العلماء في أن الأمر بالصلاة في مرابض الغنم للإباحة وليس للوجوب اتفاقا، ولا للندب، وقد قصد بهذا الأمر الترغيب في تربية الغنم، بإبعادها في هذا الحكم عن حكم الإبل، إذ وصف أصحاب الإبل بالغلظ والقسوة، ووصف أصحاب الغنم بالسكينة والوقار.
وإنما الخلاف في النهي عن الصلاة في مبارك الإبل، هل هو للتنزيه؟ أو للكراهة؟ أو للحرمة؟ وذهب أحمد في الرواية المشهورة عنه أنه إذا صلى في أعطان الإبل فصلاته فاسدة وهو مذهب أهل الظاهر وكرهها الحسن البصري وإسحق وأبو ثور، وأحمد في رواية عنه.
والجمهور وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد، على جواز الصلاة في أعطان الإبل، وأن النهي للتنزيه.
وهذا الخلاف حيث لا يتصل المصلي بالنجاسة، فإن لم يكن بين المصلي وبين النجاسة حائل فإنه لا تجوز صلاته في أي مكان كان.
واختلفوا كذلك في سبب التفرقة بين مرابض الغنم وأعطان الإبل فقال شريك بن عبد الله: نهى عن الصلاة في أعطان الإبل لأن أصحابها من عادتهم التغوط بقرب إبلهم والبول في مباركها، فينجسون بذلك أعطان الإبل، فنهى عن الصلاة فيها لذلك، لا لعلة الإبل، وإنما هو لعلة النجاسة التي تمنع من الصلاة في أي موضع، بخلاف مرابض الغنم، فإن أصحابها من عادتهم تنظيف مواضعها، وترك البول والتغوط فيها، فأبيحت الصلاة في مرابضها لذلك.
قال العيني: وهذا بعيد جدا، مخالف لظاهر الحديث: وقال الطحاوي: هذا التعليل يقتضي النهي عن الصلاة حيث يكون البول والغائط، سواء كان عطنا أو غيره.
وقيل: إن علة النهي هي كون أبوال الإبل وأرواثها تكون غالبا في معاطنها. قال العيني: وهذا أيضا بعيد، لأن مرابض الغنم تشركها في ذلك.
وقال يحيى بن آدم: إن العلة في اجتناب الصلاة في معاطن الإبل أن الإبل يخاف وثوبها، فتعطب من تلاقي حينئذ، فالمصلي في معاطنها يظل مشغولا بها بخلاف الغنم، لأنه لا يخاف منها ما يخاف من الإبل. اهـ وهذه العلة أقرب للقبول، ولا عبرة لاعتراض الطحاوي عليها بأنها تقتضي أن تكون الصلاة مكروهة حيث يخاف على النفوس، سواء كانت في عطن أو في غير عطن وسواء كانت