جماعة عنه إفراد الإقامة، وروى آخرون تثنيتها، ولهذا روى مسلم في صحيحه الأذان عن أبي محذورة، ولم يرو الإقامة عنه لعدم صحتها عنده، ثم إن الجمهور وأصحاب أبي حنيفة متفقون على عدم العمل بظاهر حديث أبي محذورة، لأن فيه الترجيع وتثنية الإقامة، والحنفية لا يقولون بالترجيع والجمهور لا يقول بتثنية الإقامة، فلابد للجمهور وللحنفية من تأويله، فكان الأخذ بإفراد الإقامة أولى، لأنه الموافق لباقي الروايات والأحاديث الصحيحة كحديث أنس وغيره، ثم إن الثابت أن أبا محذورة وأولاده من بعده في مكة كانوا على ترجيع الأذان وإفراد الإقامة، وأن سعد القرظ وأولاده من بعده في المدينة المنورة كانوا على إفراد الإقامة إلى عهد الدولة الفاطمية.
ثم إن قياس الإقامة على الأذان قياس مع الفارق، لاختلاف الغرض من كل منهما، ولذا شرع الأذان على مكان عال، بخلاف الإقامة، وأن يكون الصوت في الأذان أعلى منه في الإقامة، وأن يكون الأذان مرتلا والإقامة مسرعة. والله أعلم.
هذه هي المذاهب الرئيسة في ألفاظ الإقامة، وهناك أقوال متفرقة في المذاهب، منها ما حكاه إمام الحرمين أنها تسع كلمات، بإفراد [قد قامت الصلاة، والتكبير في آخرها] وما حكاه القاضي حسين من أنها ثمان كلمات بإفراد التكبير في أولها وآخرها، مع إفراد لفظ الإقامة. والله أعلم.
قال النووي: والحكمة في إفراد الإقامة وتثنية الأذان أن الأذان لإعلام الغائبين، فيكرر ليكون أبلغ في إعلامهم، والإقامة للحاضرين فلا حاجة إلى تكرارها، وإنما كرر لفظ الإقامة خاصة لأنه مقصود الإقامة.
وقال: فإن قيل: قد قلتم: إن المختار الذي عليه الجمهور أن الإقامة إحدى عشرة كلمة، منها [الله أكبر. الله أكبر] أولا وآخرا، وهذا تثنية، والجواب: أن هذا وإن كان صورة تثنية فهو بالنسبة إلى الأذان إفراد، ولهذا قال أصحابنا: يستحب للمؤذن أن يقول كل تكبيرتين بنفس واحد، فيقول في أول الأذان [الله أكبر الله أكبر] بنفس واحد. ثم يقول:[الله أكبر الله أكبر] بنفس آخر. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر معقبا: وهذا إنما يأتي في أول الأذان، لا في التكبير الذي في آخره، فينبغي للمؤذن أن يفرد كل تكبيرة من اللتين في آخره بنفس. اهـ.
وقد ذكر النووي في المجموع مسائل كثيرة متعلقة بالأذان، ولتمام الفائدة نورد منها:
أنهم اتفقوا على اشتراط ووجوب ترتيب ألفاظ الأذان، لأنه إذا عكس لا يعلم السامع أن ذلك أذان، فإن أتى بالنصف الثاني أولا، ثم بالنصف الأول فالنصف الثاني باطل، والأول صحيح، له أن يبني عليه، ويأتي بعده بالنصف الثاني، ولو استأنف الأذان كان أولى، ولو ترك بعض كلماته أتى بالمتروك وما بعده، ولو استأنف كان أولى.
وأما الكلام أثناء الأذان فقد قال الشافعية: إنه مكروه بلا خلاف، فإن عطس حمد الله في نفسه، وبنى، وإن سلم عليه إنسان أو عطس لم يجبه ولم يشمته حتى يفرغ، فإن أجابه أو شمته، أو تكلم بغير ذلك لمصلحة لم يكره، وكان تاركا للفضل، ولو رأى أعمى يخاف وقوعه في بئر وجب إنذاره، ويبني