للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والصحيح الذي تدل عليه الأحاديث إجابة كل كلمة عقب انتهائه منها، والرواية الرابعة في هذا الباب صريحة في ذلك.

واختلفوا في المصلي يسمع الأذان، فقالت الحنفية: لا يجيب في الصلاة مطلقا، فرضا كانت أو نفلا، ويجيب بعد الفراغ منها، وقالت الشافعية: تكره الإجابة في الصلاة، لأنه إعراض عنها ولو بالذكر، لكنه إن قال في صلاته: حي على الصلاة، أو حي على الفلاح، أو الصلاة خير من النوم، بطلت صلاته، إن كان عالما بتحريمه، لأنه كلام آدمي قال النووي: وفرق ابن عبد السلام بين ما إذا كان يقرأ الفاتحة فلا يجيب، بناء على وجوب موالاتها، وإلا فيجيب، وعلى هذا إن أجاب في الفاتحة بالذكر استأنف. اهـ وعند المالكية أقوال، قيل: يحكي في النافلة دون الفريضة، وقيل: يحكي فيهما، وقيل: لا يحكي فيهما.

وحكم الإقامة في الإجابة حكم الأذان، إلا في قوله: قد قامت الصلاة" فيقول: أقامها الله وأدامها.

وهل القول مثلما يقول المؤذن واجب أو مستحب؟

ذهب الحنفية وابن وهب من أصحاب مالك والظاهرية إلى أنه واجب واحتجوا بأن الأمر المطلق المجرد عن القرائن يدل على الوجوب، لا سيما وقد تأيد ذلك بما روي من الأخبار والأثار في الحث على الإجابة، وقد روى ابن أبي شيبة عن المسيب بن رافع عن عبد الله قال "من الجفاء، أن تسمع المؤذن ثم لا تقول مثلما يقول" قال العيني: ولا يكون من الجفاء إلا ترك الواجب، وترك المستحب ليس من الجفاء، ولا تاركه جاف. وقالوا: إنه يجب على السامع قطع القراءة، وترك الكلام والسلام ورده وكل عمل غير الإجابة، فهذا كله أمارة الوجوب. وأجابوا عن الرواية الأولى من بابنا وفيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاب الراعي بغير لفظ الأذان، قالوا: يجوز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال مثله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة، ونقل القول الزائد. ويجوز أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر.

وقال الشافعي ومالك وأحمد وجمهور الفقهاء: إن الأمر محمول على الاستحباب، واستدلوا بالرواية الأولى من روايات الباب، وقالوا: إن الأذان الذي هو الأصل ليس بواجب على كل أحد، فالإجابة لا تكون واجبة من باب أولى، وتبعية قول الحاكي القول المحكي الذي هو الأذان قرينة صارفة للأمر عن الوجوب، وأنه على الاستحباب والندبة إلى الخير وإصابة الفضل، كما قد علم الناس من الدعاء الذي أمرهم أن يقولوه دبر كل صلاة، وما أشبه ذلك، والله أعلم.

وتأمر الرواية الثالثة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الأذان، فتقول "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا".

والأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث محمول على الندب عند الجمهور، وقالوا: صرفه عن الوجوب ما في الحديث من الترغيب في الثواب فإن مثله يستعمل في المستحب غالبا، وذهب قليل من العلماء إلى أنه باق على الوجوب، والعيني يميل إلى هذا الرأي، حيث يقول: يستفاد من الحديث وجوب الحكاية، ووجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الإجابة ولا سيما وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الأذان، فإن الطحاوي أوجب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما سمع ذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>