للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وظاهر الحديث جواز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مفرده بدون السلام فتقول مثلا: صلى الله عليه. وإلى ذلك ذهب كثيرون، وقال بعضهم: يكره إفراد الصلاة عن السلام. قال الحافظ ابن حجر: الحق أن المراد بالكراهة خلاف الأولى، لأنه لم يوجد مقضيها من النهي المخصوص. اهـ.

والكيفية الكاملة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي فيما رواه الشيخان والنسائي وأبو داود وغيرهم أنه لما نزل قوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب: ٥٦] قال رجل: يا رسول الله. أما السلام عليك فقد علمناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قل: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد".

والأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث موجه لمن سمع الأذان، ومثله في ذلك المؤذن، لفراغه من الأذان حينئذ، ولعدم ما يشغله، ولأنه دخل في قوله: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا".

وكيفما وقعت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الأذان حصل المقصود وأجيب الأمر، لكن بعض المتشددين يحملون على الكيفية التي اعتادها غالب مؤذني زماننا، من رفع الصوت بها عقب الأذان، ويقولون: إنها بدعة تخالف هدى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد حدثت في عهد صلاح الدين بن أيوب (سنة ٧٨١ هـ) ويستدلون على مذهبهم بقول الحافظ ابن حجر: وقد أحدث المؤذنون رفع الصوت بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الأذان، في الفرائض الخمس ... وقد استفتى مشايخنا وغيرهم في الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان على الكيفية التي يفعلها المؤذنون، فأفتوا بأن الأصل سنة والكيفية بدعة. اهـ.

وعندي أن الحديث لم يتعرض للسر والجهر، فكيفما وقعت الصلاة حصل المقصود، وذكر الله تعالى مطلوب جهرا وسرا، حيث لا يؤدي جهره إلى الرياء والسمعة، وقد يفيد الجهر ما لا يفيده السر من الحث على الاقتداء، أو الإثابة بالسماع، وقد ضعفت الهمم في زماننا، وقل تيقظ الناس للسنن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الأذان بهذه الكيفية تدفع السامعين إلى محاكاتها، وترديدها مع المؤذن، أو الإصغاء لها واستشعارها، ولو أننا اعتبرنا كل كيفية لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة منكرة لمنعنا قراءة القرآن في المذياع، ومنعنا المصاحف المكتوبة بكيفية غير الكيفية التي كانت عليها، وهكذا، والمسألة فيما أعتقد أنه لا يؤمر بهذه الكيفية ولا ينهي عنها، إلا إذا أحدثت ضررا من تشويش على المصلين أو نحوه. والله أعلم.

هذا ما يتعلق بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الأذان، أما حكمها عموما فقد قال الأبي: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فرض في الجملة، مرة في العمر وحمل الطبري الآية على الندب، قال في الشفاء: ولعله فيما زاد على المرة، وهي في التشهد قيل: سنة، وقيل: فرض، وقيل: فضيلة، وتستحب في غير ذلك، عند الفراغ من حكاية قول المؤذن، لهذا الحديث، وعند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم، أو كتابته، لحديث "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي" وحديث "من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له مادام اسمي في هذا الكتاب" وتستحب بعد البسملة في الرسائل، ومضى عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>