للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

استجابوا لوسوسة الشيطان، إنهم الذين لم يأخذوا حذرهم منه، إنهم الذين

نسوا قوله لربه، رب العزة والجبروت: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم* ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} [الأعراف: ١٦ - ١٧] نعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

-[المباحث العربية]-

(المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة) قال النضر: طول العنق حقيقة، وذلك أنه عندما يلجم الناس العرق يوم القيامة تطول أعناقهم، لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق.

وعامة شراح الحديث على أنه كناية، واختلفوا في المراد، فقيل: كناية عن أنهم أكثر الناس تشوقا وتطلعا إلى رحمة الله، وذلك أنه يلزم المتطلع أن يطيل عنقه غالبا إلى ما يتطلع إليه، ويلزمه كثرة ما يرون من ثواب، وقيل: كناية عن أنهم سادة ورؤساء، وذلك أن أطول الناس عنقا أبرزهم وأعلاهم حسا، فأريد أبرزهم وأعلاهم مكانة وقدرا، وقيل: كناية عن أنهم أكثر اتباعا، وهو بعيد، وقيل: كناية عن أنهم أكثر الناس أعمالا حسنة، وهو بعيد أيضا، وأحسن ما قرأت ما قاله الأبي من أنه كناية عن عدم الخجل من الذنوب، لأن الخجل يقصر عنقه، وينكس رأسه، قال تعالى {ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم} [السجدة: ١٢] ومن المعلوم أن الكناية لفظ أطلق وأريد منه لازم معناه مع صحة إرادة المعنى الأصلي، فالكنايات المذكورة لا تمنع من طول عنقهم على الحقيقة، وكان الجزاء من جنس العمل، فإنهم كانوا في الدنيا يطيلون أعناقهم ويلوونها يمينا وشمالا بالأذان، وقد جاء عند ابن حبان "يعرفون بطول أعناقهم يوم القيامة".

قال القاضي عياض وغيره: ورواه بعضهم "إعناقا" بكسر الهمزة أي أشد الناس إسراعا إلى الجنة.

(إن الشيطان) الشيطان كل متمرد من الإنس والجن، ولكن المراد هنا شيطان الجن خاصة، قيل المراد به إبليس، وقيل: شيطان المؤذن، وقيل شيطان سامع الأذان، وقيل جنس المتمرد من الجن.

(إذا سمع النداء بالصلاة) أي إذا سمع الأذان لأجل الصلاة، فالباء للسببية، ويحمل رواية مسلم على رواية البخاري في المعنى، ولفظها "إذا نودي للصلاة".

(حتى يكون مكان الروحاء) بفتح الراء وبالحاء والمد، وقد بين الرواي المسافة بينها وبين المدينة بستة وثلاثين ميلا، وليس المقصود من الحديث ذهاب الشيطان إلى هذا المكان خاصة، بل هو كناية عن البعد عن المؤذن مسافة طويلة حتى لا يسمع صوته، وكلما ارتفع صوت المؤذن كلما زاد ابتعاد الشيطان عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>