(إذا سمع النداء بالصلاة أحال) يقال: أحال إلى المكان إذا ذهب إليه، وبالمكان إذا أقام به، وعن المكان إذا ذهب عنه، فهو من التحول والتغير، والمراد هنا: ذهب عن مكان المؤذن، وابتعد هاربا.
(له ضراط)"الضراط، بضم الضاد خروج الريح من الدبر بصوت، والجملة إسمية وقعت حالا بدون واو لحصول الارتباط بالضمير، وفي رواية "وله ضراط" بالواو، قال القاضي عياض: يمكن حمله على ظاهره لأن الشيطان جسم متغذ، يصح منه خروج الريح، ويحتمل أنه كناية عن شدة نفاره، ويقويه رواية "له حصاص" بضم الحاء، فقد فسرها الأصمعي وغيره بشدة العدو، قال الطيبي: شبه شغل الشيطان نفسه عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضراطا تقبيحا له. اهـ. فكأنه قال: ولى هاربا محدثا صوتا يشغل به أذنيه عن الأذان، صوتا قبيحا شبيها بالضراط. ففي الكلام استعارة تصريحية أصلية.
قال العيني: هذا تمثيل لحال الشيطان عند هروبه من سماع الأذان بحال من دهاه أمر عظيم، واعتراه خطب جسيم حتى حصل له الضراط من هول ما هو فيه، لأن الواقع في شدة عظيمة من خوف وغيره تسترخي مفاصله، ولا يقدر على أن يملك نفسه، فينفتح منه مخرج البول والغائط. ولما كان الشيطان -لعنة الله- تعتريه شدة عظيمة، وداهية جسيمة عند النداء إلى الصلاة، فيهرب حتى لا يسمع الأذان، شبه حاله بحال ذلك الرجل، وأثبت له على وجه الادعاء الضراط، الذي ينشأ من كمال الخوف الشديد، وفي الحقيقة ليس هناك ضراط. اهـ. وهو كلام جيد.
(وله حصاص) قيل: هو الضراط، وقيل هو شدة العدو والفرار.
(فإذا قضي التأذين أقبل) "قضي" بضم القاف، مبني للمجهول، والمراد بالقضاء الفراغ والانتهاء، ويروى بفتح القاف والضاد، ونصب "التأذين" على المفعول به، والتقدير: فإذا قضى المؤذن التأذين أي الأذان.
(حتى إذا ثوب للصلاة أدبر): "ثوب" بضم الثاء، وتشديد الواو المكسورة، قيل: هو من ثاب إذا رجع، والمراد من التثويب بالصلاة إقامتها ومقيم الصلاة راجع إلى الدعاء إليها، فإن الأذان دعاء إلى الصلاة، والإقامة دعاء إليها، ووجهه الطيبي توجيها آخر، فقال: "ثوب" بفتح الثاء وتشديد الواو المفتوحة، أي صرخ بالإقامة مرة بعد مرة، وكل مردد صوته بشيء مثوب. اهـ وهذا التوجيه بعيد، لأنه يجيز إطلاق التثويب على كل كلمات الأذان، مع أن الذي أطلق عليه التثويب من كلمات الأذان قول المؤذن "الصلاة خير من النوم" لأنه تكرر لمعنى الحيعلتين، وقال الخطابي: التثويب الإعلام بالشيء ووقوعه، وأصله، من ثوب الرجل إذا جاء فزعا، ولوح بثوبه مستصرخا. اهـ وهذا القول بعيد عن المراد، فإنه بهذا المعنى يطلق على الأذان، وهو ليس المقصود بل المقصود الإقامة، والتوجيه الأول خير توجيه. وزعم بعض الحنفية أن المراد بالتثويب هنا قول المؤذن بين الأذان والإقامة [حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة] ففي سنن أبي داود عن ابن عمر أنه كره التثويب بين