الأذان والإقامة، وهذا الزعم بعيد عن الصواب، فقد جاء المراد صريحا في الرواية الثالثة من هذا الباب، ولفظها "فإذا سمع الإقامة ذهب".
(حتى يخطر بين المرء ونفسه)"يخطر" بضم الطاء وكسرها، حكاهما القاضي عياض، قال: ضبطناه عن المتقنين الكسر، وسمعناه من أكثر الرواة بالضم، قال: والكسر هو الوجه، ومعناه يوسوس، وهو من قولهم: خطر الفحل بذنبه إذا حركه، فضرب به فخذيه، وأما بالضم فمن السلوك والمرور، أي يدنو منه، فيمر بينه وبين قلبه، فيشغله عما هو فيه، وبهذا فسره الشارحون للموطأ، وبالأول فسره الخليل.
والمراد من النفس هنا القلب، وقد وقع في رواية البخاري "بين المرء وقلبه" وبهذا التفسير يحصل الجواب عما يقال: كيف يتصور خطوره بين المرء ونفسه، وهما عبارتان عن شيء واحد؟ وقد يجاب بأن ذلك تمثيل لغاية القرب منه.
(يقول له: اذكر كذا، واذكر كذا) قال الحافظ ابن حجر: وقع بواو العطف، وفي رواية البخاري بدونها، وفي رواية له "اذكر كذا وكذا" ووقع في بعض الروايات "فهناه ومناه، وذكره من حاجاته ما لم يكن يذكر".
(لما لم يكن يذكر من قبل) أي لشيء لم يكن على ذكره قبل دخوله في الصلاة، قيل: خصه بما يعلم، دون ما لا يعلم، لأنه يميل لما يعلم أكثر لتحقق وجوده، قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أنه لأعم من ذلك فيذكره بما سبق له علم، ليشتغل باله به، وبما لم يكن سبق له، ليوقعه في الفكرة فيه، وهذا أعم من أن يكون في أمور الدنيا، أو في أمور الدين، كالعلم، لكن هل يشتمل ذلك التفكير في معاني الآيات التي يتلوها؟ لا يبعد ذلك، لأن غرضه نقص خشوعه وإخلاصه بأي وجه كان. اهـ ويؤيده قوله "حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى".
(حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى)؟ غاية لوسوسة الشيطان، أي أنه يوسوس للرجل حتى يصير لا يدري كم صلى من الركعات؟ أثلاثا أم أربعا؟ و"يظل" بالظاء، ومعناه في الأصل الاتصاف بالوصف نهارا، لكنه هنا بمعنى يصير ويبقى ومنه قوله تعالى {ظل وجهه مسودا}[النحل: ٥٨] ووقع عند الأصيلي "حتى يضل الرجل" بالضاد المكسورة، أي ينسى، ومنه قوله تعالى {أن تضل إحداهما}[البقرة: ٢٨٢] أو يخطئ، ومنه قوله تعالى {لا يضل ربي ولا ينسى}[طه: ٥٢] والمشهور الأول.
(حتى يظل الرجل إن يدري كيف صلى) بكسر همزة "إن" وسكون النون، وهي حرف نفي بمعنى "ما" أو "لا" وحكى ابن عبد البر عن الأكثر، "أن" بفتح الهمزة وسكون النون، وقال القرطبي: ليست رواية الفتح بشيء إلا مع رواية الضاد، فتكون "أن" مع الفعل بتأويل مفعول "يضل" بإسقاط حرف الجر أي حتى يضل الرجل عن درايته كم صلى. والله أعلم.