فالتفتيش فيها يضعفها، والاعتراضات عليها تحبطها فشأنها شأن النكتة البلاغية، أو شأن الوردة، تشم ولا تدعك. ولو قلنا. إن الحكمة في كل ما ذكر، وفي أن الأذان هو العبادة التي تصم آذان أعداء الإسلام رغم أنوفهم، وأنه يقع على الكافرين موقع الصاعقة، فعلى الشيطان العدو الأول للمسلم من باب أولى، لو قلنا ذلك كنا أقرب إلى القبول: والله أعلم.
-[ويؤخذ من الحديث]-
١ - فضل الأذان، وأنه عظيم القدر، حتى إن الشيطان يلحقه منه هول كبير.
٢ - فضيلة المؤذن إذا قام به احتسابا لله تعالى، قال النووي: واختلف أصحابنا: هل الأفضل للإنسان أن يرصد نفسه للأذان؟ أو للإمامة؟ على أوجه أصحها: الأذان أفضل، وهو نص الشافعي في الأم، وهو قول أكثر أصحابنا ولقوله تعالى:{ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا}[فصلت: ٣٣] قالت عائشة -رضي الله عنها-: نزلت في المؤذنين، وللرواية الأولى من الباب ولفظها:"المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة" ولحديث البخاري ومسلم "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا".
وقيل: الإمامة أفضل، وهو قول الحنفية، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم ثم الخلفاء الراشدون من بعده كانوا أئمة، ولم يكونوا مؤذنين، وكذا كبار العلماء بعدهم وفي الصحيحين عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم" ورد على هذا المذهب بأن مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على الإمامة وكذا من بعده من الخلفاء والأئمة، ولم يؤذنوا، كانت بسبب أنهم كانوا مشغولين بمصالح المسلمين، التي لا يقوم بها غيرهم فيها مقامهم، فلم يتفرغوا للأذان ومراعاة أوقاته، وأما الإمامة فلابد لهم من صلاة، ويؤيد هذا التأويل ما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لو كنت أطيق الأذان مع الخلافة لأذنت.
وقيل: هما سواء، وقيل: إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وجمع خصالها فهي أفضل، وإلا فالأذان أفضل، ثم قال النووي:
وأما جمع الرجل بين الإمامة والأذان فإن جماعة من أصحابنا يستحب أن لا يفعله، وقال بعضهم: يكره، وقال محققوهم وأكثرهم أنه لا بأس به، بل يستحب. وهذا أصح. والله أعلم. اهـ.
٣ - استدل بالرواية الثالثة والسادسة وفيهما أن الشيطان يرجع إلى الوسوسة بين الأذان، والإقامة على أنه كان بين الأذان والإقامة فصل خلافا لمن شرط في إدراك فضيلة أول الوقت أن ينطبق أول التكبير على أول الوقت.
٤ - واستدل به على أن السهو الذي يحصل للمصلي في صلاته يكون من وسوسة الشيطان.
٥ - استدل به على استحباب رفع الصوت في الأذان، على أن يكون الأذان على مرتفع، ليكون أبعد لذهاب الصوت، وكان بلال رضي الله عنه يؤذن إلى بيت امرأة من بني النجار، بيتها أعلى بيت حول المسجد.