للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مع تمام الانتصاب، وعلى هذا تحمل رواياتنا الأربع، ولفظها "إذا رفع رأسه من الركوع" أي إذا ابتدأ رفع رأسه. قال الحافظ ابن حجر: وأما رواية الزهري عند أحمد وأبي داود بلفظ "وبعد ما يرفع رأسه من الركوع" فمعناه بعد ما يشرع في الركوع، لتتفق الروايات. اهـ. وفي حكمة رفع اليدين مع التكبير قال الحافظ ابن حجر وغيره: الحكمة في اقترانهما أن يراه الأصم ويسمعه الأعمى، وقيل: والإشارة إلى الاستسلام والانقياد (فإن رفع اليدين علامة التسليم) ليناسب فعله قوله "الله أكبر" وقيل: إشارة إلى استعظام ما دخل فيه، وقيل: إشارة إلى تمام القيام، وقيل: إشارة إلى رفع الحجاب بين العبد والمعبود، وقيل: يستقبل بجميع بدنه. قال القرطبي: وهو أنسبها، وقال الربيع: قلت للشافعي: ما معنى رفع اليدين؟ قال: تعظيم الله، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقال ابن عبد البر عن ابن عمر إنه قال: رفع اليدين من زينة الصلاة. اهـ.

والذي تستريح إليه النفس أنه أمر تعبدي، وكذا كل قراءة وكل حركة وكل سكون في الصلاة، وكل ما قيل من حكم لا يستقيم إذا تعقب، ويكفي في التعقيب عليه أن نتساءل: لم لم يفعل ذلك عند الرفع من السجود للتشهد أو للقيام؟ والله أعلم.

والحديث برواياته الأربع يتعرض لتكبيرة الإحرام، وهي ركن من أركان الصلاة، لا تصح إلا بها، وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وجمهور السلف والخلف، لما رواه أبو داود والترمذي وغيرهما عن علي -كرم الله وجهه-، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "مفتاح الصلاة الوضوء، وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم" ولما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة في المسيء صلاته، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبر ... " الحديث، ولم يذكر له صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلا الفروض خاصة.

ولما ثبت في الصحيحين عن جماعات من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر للإحرام، وروايات حديث الباب واضحة في هذا الاستدلال.

وقال الكرخي من أصحاب أبي حنيفة: تكبيرة الإحرام شرط لا تصح إلا بها، ولكن ليست من الصلاة، بل هي كستر العورة، ومنهم من حكاه عن أبي حنيفة، وتظهر فائدة الخلاف بينه وبين الجمهور فيما لو كبر وفي يده نجاسة، ثم ألقاها في أثناء التكبيرة، فإن صلاته لا تصح عند الجمهور، وتصح عند الكرخي كستر العورة، واحتج له بقوله تعالى: {وذكر اسم ربه فصلى} [الأعلى: ١٥] فعقب الذكر بالصلاة، فدل على إنه ليس منها وبقوله "وتحريمها التكبير"، والإضافة تقتضي أن المضاف غير المضاف إليه، كدار زيد.

وحكى ابن المنذر عن الزهري أنه قال: تنعقد الصلاة بمجرد النية بلا تكبير. قال ابن المنذر: ولم يقل به غير الزهري، واحتج له بالقياس على الصوم والحج، ورد بأن هاتين العبادتين ليستا مبنيتين على النطق بخلاف الصلاة.

وصيغة التكبير أن يقول: "الله أكبر" لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل به في الصلاة وقال "صلوا كما

<<  <  ج: ص:  >  >>