واستدل القائلون بوجوب التكبير بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"صلوا كما رأيتموني أصلي" وثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يكبرهن، ودليل الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الأعرابي الصلاة، فعلمه واجباتها، فذكر منها تكبيرة الإحرام، ولم يذكر ما زاد، وهذا موضع البيان ووقته، ولا يجوز التأخير عنه.
وحديث الباب في رواياته المختلفة يوحي بأن السلف لم يكونوا متفقين على شرعية التكبير في الرفع والخفض، وقد ورد أن بعضهم كان لا يكبر إلا تكبيرة الإحرام، وإن بعضهم لا يكبر إذا هوى للركوع وللسجود، وكذلك لا يكبر إذا هوى للسجدة الثانية، وإن بعضهم فرق بين المنفرد وغيره، فلم يشرعه للمنفرد، وشرعه للإمام، لأنه في نظره للإعلام بحركة الإمام، فلا يحتاج إليه المنفرد، وقد جاء في الرواية السادسة عند أحمد "عن مطرف قال: قلنا لعمران بن حصين: يا أبا نجيد. من أول من ترك التكبير؟ قال: عثمان بن عفان حين كبر وضعف صوته" وروى الطبراني عن أبي هريرة، "أن أول من ترك التكبير معاوية": وروى أبو عبيد "أن أول من تركه زياد" قال الحافظ ابن حجر: وهذا لا تنافي بينه، لأن زيادا تركه بترك معاوية، وكان معاوية تركه بترك عثمان، وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء وترك الجهر، لا ترك التكبير بالكلية، لكن في قول عمران، في الرواية السادسة قد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم "إشارة إلى أن التكبير الذي ذكره كان قد ترك. اهـ.
وفي كيفية التكبير ووقته يقول النووي: في قوله "يكبر حين يهوى ساجدا، ثم يكبر حين يرفع، ويكبر حين يقوم من المثنى" دليل على مقارنة التكبير لهذه الحركات، وبسطه عليها، فيبدأ بالتكبير حين يشرع في الانتفال إلى الركوع ويمده حتى يصل حد الراكعين، ثم يشرع في تسبيح الركوع، ويبدأ بالتكبير حين يشرع في الهوى إلى السجود، ويمده حتى يضع جبهته على الأرض، ثم يشرع في تسبيح السجود، ويشرع في التكبير للقيام من التشهد الأول حين يشرع في الانتقال ويمده حتى ينتصب قائما. قال: هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة، إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه -وبه قال مالك- إنه لا يكبر للقيام من الركعتين حتى يستوي قائما، ودليل الجمهور ظاهر هذا الحديث. اهـ قال الحافظ ابن حجر: معقبا: ودلالة لفظ الحديث على بسط التكبير ومده غير ظاهرة. اهـ وهو تعقيب حسن.
وفي الحكمة من هذا التكبير يقول ابن المنير: الحكمة في مشروعية التكبير في الخفض والرفع أن المكلف أمر بالنية أول الصلاة مقرونة بالتكبير، وكان من حقه أن يستصحب النية إلى آخر الصلاة، فأمر أن يجدد العهد في أثنائها بالتكبير الذي هو شعار النية. اهـ.
ولو قلنا في الحكمة: إن هذه الانتقالات من رفع وخفض إنما هي حركات الإنسان الضعيف أمام ربه الكبير المتعال، وهو في كل حركة منها محتاج إلى حوله وقوته جل شأنه، فناسب اقتران هذه الانتقالات بذكر يناسبها، وأنسب الأذكار في هذا المقام هو [الله أكبر] لو قلنا ذلك ما بعدنا عن الصواب. والله أعلم.
وأما التحميد عند الرفع من الركوع فإنه لما كانت الفاتحة حمدا وثناء ودعاء وأعقبها تكبير الركوع ناسب عند رفع الصلب إعلان الرجاء بسماع الله لمن حمد. وإثابته على الحمد بقوله [سمع