المنفرد والمأموم، حتى ذهب بعضهم في حكمها مذاهب مختلفة، فقام عبادة بن الصامت يبلغ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" وقام أبو هريرة يبلغ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج [أي ناقصة] غير تمام" ويشتبه المشتبه، فيسأل أبا هريرة كيف يقرأ المأموم خلف الإمام؟ لو قرأ الناس خلف إمامهم لصار المسجد سوقا يعج بالتهويش؟ فيقول: أبو هريرة: اقرأ بها في نفسك ولا ترفع صوتك، ولا تسمع بقراءتك غيرك، فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى في الحديث القدسي: قسمت الفاتحة بيني وبين عبدي المصلي نصفين، لي نصفها، وله نصفها، نصفها الأول حمد وثناء علي، أجزيه عليه خير الجزاء، ونصفها الثاني تضرع ودعاء، أستجيب دعاءه وأعطيه ما سأل، فإذا قال العبد {الحمد لله رب العالمين} قلت: حمدني عبدي.
وإذا قال {الرحمن الرحيم} قلت: أثنى علي عبدي، وإذا قال:{مالك يوم الدين} قلت: مجدني وفوض الأمر إلى عبدي، وإذا قال:{إياك نعبد وإياك نستعين} قلت: هذا بيني وبين عبدي، فالنصف الأول اعتراف بالألوهية، واستجابة بالعبادة، والنصف الثاني دعاء بالاستعانة، ولعبدي ما سأل، فإذا قال:{اهدنا الصراط المستقيم* صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قلت هذا تضرع ودعاء من عبدي، وقد أجبت دعاءه، ولعبدي ما سأل. فيا سعادة من حافظ عليها، ويا ضيعة من لا يقرؤها. قال رجل لأبي هريرة حسنا ما قلت بشأن الفاتحة، فما الحكم لو لم أزد عليها؟ ولم أقرأ بعدها سورة؟ قال أبو هريرة: إن اكتفيت بها أجزأت عنك، وإن قرأت بعدها سورة كان أفضل، ويزيد أبو هريرة قراءة الفاتحة تأكيدا فيروي قصة المسيء صلاته، فيقول: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد إذ دخل أعرابي، فصلى صلاة عاجلة، لا يدري فيها أقرأ أم لا؟ ولا يدري كيف ركع؟ ولا كيف سجد؟ فلما انتهى جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فألقى السلام، فرد عليه، وقال له: صلى الله عليه وسلم ارجع فصل، فإنك لم تصل، وما فعلت ليس الصلاة المطلوبة، فرجع الرجل فصلى مثل ما كان صلى، ثم جاء فسلم فرد صلى الله عليه وسلم السلام، وقال له: ارجع فصل، فإن صلاتك هذه ليست الصلاة المطلوبة، فرجع فصلى مثل التي قبلها، ثم جاء فسلم، فرد الرسول صلى الله عليه وسلم السلام، ثم قال له: ارجع فصل، فإنك كمن لم يصل. فقال: والذي بعثك بالحق لا أعرف غير هذا فعلمني، فعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يدخل في الصلاة، وكيف يقرأ وكيف يركع، وكيف يرفع وكيف يسجد، وكيف يجلس، وأكد له القراءة في الصلاة.
ويزيد عمران بن حصين الأمر وضوحا، ويحكى أن الصحابة كانوا يقرءون خلف النبي صلى الله عليه وسلم، بل كانوا يقرءون السورة في نفسهم، ولما رفع أحدهم صوته بقراءة السورة حتى سمعه الرسول صلى الله عليه وسلم عن بعد قال حين سلم: من منكم الذي قرأ بصوت مرتفع {سبح اسم ربك الأعلى} قال رجل: أنا يا رسول الله، ولم أرد بذلك إلا الخير، قال: لا تعد لرفع الصوت، حتى لا يظن أنك تنازع الإمام القراءة، وأنك تغالبه بصوتك، فقال: سمعا وطاعة، وكف الناس عن الجهر بالقراءة خلف الإمام.
-[المباحث العربية]-
(لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) أي لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب في نفس الصلاة،