إذ قد يتوهم أن الشرط أن يقرأ المصلي الفاتحة، ولو قبل الصلاة. كما نقول: لا صلاة لمن لم يتطهر. والباء في:"بفاتحة الكتاب" للمصاحبة والتقدير. لا صلاة لمن لم يقرأ مصاحبا في قراءته فاتحة الكتاب. وفي القاموس: قرأه وقرأ به. وسميت هذه السورة بفاتحة الكتاب لأن الله جل شأنه افتتح بها كتابه المجيد، والكتاب بالنسبة للمسلمين أصبح علما بالغلبة على القرآن، كما غلب لفظ المدينة على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالنسبة لليهود والنصارى التوراة والإنجيل، فقد أطلق عليهم القرآن أهل الكتاب، وأصل الكتاب ما يكتب فيه.
(لا صلاة لمن لم يقترئ بأم القرآن) قرأ القرآن، واقترأه تلاه، لكن في "اقترأ" معنى المعالجة والتحمل، وزيادة المبني تدل على زيادة المعنى غالبا، وسميت الفاتحة بأم القرآن، -كما يقول القاضي عياض- لأنها أصله كما قيل لمكة [أم القرى]. قال الأبي: لأنها أول الأرض وأصلها ومنها دحيت. اهـ وفي كلامه نظر. وقيل: لأنها مجمع العلوم والخيرات كما سمي الدماغ [أم الرأس] لأنه مجمع الحواس والمنافع.
وقال ابن دريد: الأم في كلام العرب للراية ينصبها الأمير للعسكر يفزعون إليها في حياتهم وموتهم، وقال الحسن بن الفضل: سميت بذلك لأنها إمام لجميع القرآن، وتقدم على كل سورة، كأم القرى لأهل الإسلام، وقيل: سميت بذلك لأنها أعظم سورة في القرآن. والأقوال كلها متقاربة المعنى.
قال النووي في المجموع: لفاتحة الكتاب عشرة أسماء، حكاها الإمام أبو إسحق الثعلبي وغيره: أحدها: فاتحة الكتاب، الثاني: سورة الحمد، الثالث: أم القرآن. الرابع: أم الكتاب. الخامس: الصلاة، لحديث:"قسمت الصلاة بيني وبين عبدي" روايتنا الثالثة. السادس: السبع المثاني (أي الآيات السبع التي تثنى وتكرر في كل صلاة) السابع: الوافية بالفاء، لأنها لا تنقص، فلا يقرأ بعضها في ركعة وبعضها في أخرى، بخلاف غيرها. الثامن: الكافية، لأنها تكفي عن غيرها، التاسع: الأساس، العاشر: الشفاء، وفيه حديث مرفوع (ولا يخفى أن أسماء السور توقيفية على الصحيح) قال الماوردي في تفسيره: واختلفوا في جواز تسميتها بأم الكتاب، فجوزه الأكثرون، لأن الكتاب تبع لها، ومنعه الحسن وابن سيرين وزعما أن هذا اسم للوح المحفوظ، فلا يسمى به غيره، قال النووي: وهذا غلط، فقد ورد تسميتها بذلك في حديث مسلم. اهـ. وهو يقصد روايتنا السابعة. والله أعلم.
(لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن فصاعدا). قال الأبي: أي فما زاد عليها، كقولهم: اشتريته بدرهم فصاعدا، وهو منصوب على الحال، أي فزاد الثمن صاعدا، قال القرطبي: وهذا يقتضي أن السورة واجبة، ولا أعلم من قال به. اهـ وسيأتي إيضاح هذه النقطة في فقه الحديث.
(فهي خداج) بكسر الخاء، وآخرها جيم، قال أهل اللغة: الخداج النقصان، يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج، وإن كان تام الخلق، وأخدجته إذ ولدته ناقصا، وإن كان لتمام الولادة، ومنه قيل لقصير اليد: مخدج اليد: أي ناقصها، قالوا: فقوله صلى الله عليه وسلم "فهي خداج" أي ذات خداج. اهـ. فالخداج مصدر، ولا يقع خبرا إلا بتأويله بمشتق، أو بتقدير مضاف، كقولنا، زيد عدل، أي عادل، أو ذو عدل.