"في كل صلاة قراءة ولو بفاتحة الكتاب" بأنه ضعيف، ولو صح كان معناه أن أقل ما يجزئ فاتحة الكتاب، كما يقال: صم ولو ثلاثة أيام من الشهر، أي أكثر من الصوم، فإن نقصت فلا تنقص عن ثلاثة أيام، وعن الرواية الخامسة "لا صلاة إلا بقراءة" والسابعة "في كل صلاة قراءة" بأن القراءة لفظ عام أو مطلق فيحمل على الخاص أو المقيد، الذي ثبت به الأحاديث الصحيحة، وهو تعين الفاتحة في القراءة، والله أعلم.
ثالثا: قال الثوري والأوزاعي في رواية وأبو حنيفة رضي الله عنه لا تجب القراءة في الركعتين الأخيرتين، بل هو بالخيار، إن شاء قرأ، وإن شاء سبح، وإن شاء سكت، قال صاحب الهداية وغيره من الحنفية: إلا أن الأفضل أن يقرأ، واستدلوا بقوله تعالى:{فاقرءوا ما تيسر منه} قالوا: فالمصلي مأمور بالقراءة، والأمر لا يقتضي التكرار، فتتعين الركعة الأولى منها، وإنما أوجبناها في الثانية استدلالا بالأولى، لأنهما تتشاكلان من كل وجه، كذلك استدلوا بروايات هذا الباب "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". "لا صلاة لمن لم يقترئ بأم القرآن". "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج". "لا صلاة إلا بقراءة""في كل صلاة قراءة" وقالوا: هذه أحاديث لا تقتضي القراءة أكثر من مرة. كما استدلوا بما رواه أبو داود بإسناد صحيح ولفظه "دخلنا على ابن عباس، فقلنا لشاب: سل ابن عباس أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ فقال: لا. فقيل له: لعله كان يقرأ في نفسه؟ فقال: خمش (أي خمش الله وجه هذا القائل وجلده) هذه شر من الأولى، كان عبدا مأمورا، بلغ ما أرسل به"، وبما رواه أبو داود بإسناد صحيح أيضا عن عكرمة عن ابن عباس قال:"لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا".
وقال بعض أصحاب داود: لا تجب القراءة إلا في ركعة من كل الصلوات وعن مالك في رواية: إن ترك القراءة في ركعة من الصبح لم تجزه، وإن تركها في ركعة من غيرها أجزأه.
وذهب الشافعية والحنابلة والأوزاعي وأبو ثور في رواية عنهما وهو الصحيح عن مالك وداود أن قراءة الفاتحة واجبة في كل ركعة، واحتجوا بحديث المسيء صلاته، وفيه "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" وبرواية البيهقي له بلفظ "ثم افعل ذلك في كل ركعة"، وبحديث مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "صلوا كما رأيتموني" رواه البخاري، وقد ثبت بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في كل الركعات وبما رواه مسلم عند أبي قتادة رضي الله عنه قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، ويسمعنا الآية أحيانا ويقرأ في الركعتين الآخيرتين بفاتحة الكتاب، وأصله في صحيح البخاري.
قال النووي في المجموع: وأما الجواب عن احتجاجهم بالآية فهو أنها وردت في قيام الليل، وعن حديث ابن عباس أنه نفى، وغيره أثبت، والمثبت مقدم على النافي، كيف وهم أكثر منه؟ وأكبر سنا؟ وأقدم صحبة؟ وأكثر اختلاطا بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ لا سيما أبو هريرة وأبو قتادة وأبو سعيد، فتعين تقديم أحاديثهم على حديثه، والرواية الثانية عن ابن عباس تبين أن نفيه في الرواية الأولى كان على سبيل التخمين والظن، لا عن تحقيق، فلا يعارض الأكثرين الجازمين بإثبات القراءة. اهـ.