رابعا: قال أبو حنيفة: لا تجب على المأموم قراءة، بل نقل القاضي أبو الطيب والعبدري عن أبي حنيفة أن قراءة المأموم معصية، فالحنفية أسقطوا قراءة الفاتحة عن المأموم مطلقا، أسر أو جهر.
والصحيح عند الشافعية وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في كل الركعات من الصلاة السرية والجهرية، قال الترمذي في جامعه: القراءة خلف الإمام هي قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين. وبه يقول مالك (أي في رواية) وابن المبارك (أي في رواية) والشافعي وأحمد (أي في رواية) وإسحاق (أي في رواية). اهـ.
قال ابن المنذر: قال الزهري ومالك (أي في رواية) وابن المبارك (أي في رواية) وأحمد (أي في رواية) وإسحق (أي في رواية) لا يقرأ في الجهرية، وتجب القراءة في السرية.
ويحكي ابن العربي في أحكام القرآن مذهب المالكية، فيقول: لعلمائنا في ذلك ثلاثة أقوال: الأول: يقرأ إذا أسر الإمام خاصة، قاله أبو القاسم، الثاني: قاله ابن وهب وأشهب في كتاب محمد: لا يقرأ، الثالث: قال محمد بن عبد الحكم: يقرؤها خلف الإمام، فإن لم يفعل أجزأه، كأنه رأى ذلك مستحبا. والأصح عندي وجوب قراءتها فيما أسر، وتحريمها فيما جهر، إذا سمع قراءة الإمام؛ لما فيه من فرض الإنصات له، والاستماع لقراءته، فإن كان منه مقام بعيد فهو بمنزلة صلاة السر. اهـ.
فتحصل في هذه المسألة ثلاثة مذاهب أساسية: لا يقرأ مطلقا، يقرأ مطلقا، لا يقرأ في الجهرية ويقرأ في السرية، ولكل من هذه المذاهب أدلته.
فالقائلون: لا يقرأ مطلقا يحتجون بحديث مروي عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عنبسة عن أبي عبد الله بن شداد عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى خلف الإمام فإن قراءة الإمام له قراءة"، ويروي ابن عمر مثله، وبروايتنا العاشرة والحادية عشرة عن عمران بن حصين ولفظها في بعض الروايات الضعيفة "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، ورجل يقرأ خلفه، فلما فرغ قال: من الذي يخالجني سورتي، فنهى عن القراءة خلف الإمام".
وبما روي عن أبي الدرداء قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم، أفي كل صلاة قراءة؟ فقال: نعم. فقال رجل من الأنصار: وجبت هذه؟ . فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم -وكنت أقرب القوم إليه- "وما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم".
وبما روي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج إلا أن يكون وراء الإمام".
وبما أسند إلى سعد بن أبي وقاص من قوله "وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه حجر".
وبما أسند إلى علي من قوله: "من قرأ خلف الإمام فليس على الفطرة"، أو "فقد أخطأ الفطرة".
وبما أسند إلى زيد بن ثابت من قوله: "من قرأ وراء الإمام فلا صلاة له".
والقائلون: يقرأ مطلقا يحتجون بعموم قوله صلى الله عليه وسلم، "لا صلاة لمن لم يقرأ