بفاتحة الكتاب" قالوا: هذا عام في كل مصل، ولم يثبت تخصيصه بغير المأموم بمخصص صريح، فبقى على عمومه.
وبما رواه أبو داود عن عبادة بن الصامت قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال: إني لأراكم تقرءون خلف إمامكم. قلنا: والله أجل يا رسول الله، نفعل هذا، قال: لا تفعلوا إلا بأم الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها" ورواه كذلك الترمذي والدارقطني والبيهقي وغيرهم وقال الترمذي: حديث حسن.
كما احتجوا بروايتنا الثالثة، وفيها "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج"، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: "اقرأ بها في نفسك".
قالوا: والجواب عن الأحاديث التي احتج بها القائلون بإسقاط القراءة أنها كلها ضعيفة، وليس فيها شيء صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها موقوف وبعضها مرسل، وبعضها في رواته ضعيف أو ضعفاء، وقد بين البيهقي علل جميعها وأوضح تضعيفها.
قال النووي: وأجاب أصحابنا عنها على تقدير صحتها بأنها محمولة على قراءة المأموم للسورة خلف الإمام، بعد قراءة الفاتحة جمعا بين الأدلة، كما هو صريح روايتنا العاشرة والحادية عشرة، إذ فيها أن المأموم كان يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى، وقراءة السورة سنة، فتركت لاستماعه قراءة إمامة القرآن بخلاف الفاتحة.
والقائلون بالقراءة في السرية دون الجهرية يحتجون بقوله تعالى {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} [الأعراف: ٢٠٤] وبما رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبين لنا سننا وعلمنا صلاتنا، فقال: "أقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا".
وبما رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ معي أحد منكم. فقال رجل: نعم يا رسول الله. قال إني أقول ما لي أنازع القرآن؟ فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه بالقرآن من الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ورد الشافعية على هذا الفريق بالأحاديث السابقة المذكورة في الاحتجاج على المانعين مطلقا، وأجابوا عن الآية بأنها في قراءة القرآن خارج الصلاة، وهذا إذا سلمنا أن المراد بها قراءة القرآن حقيقة، وإلا فقد روي عن مجاهد وغيره أنها نزلت في الخطبة، حيث كان الناس يتكلمون أثناءها وسميت قرآنا لاشتمالها عليه.
وأجابوا عن حديث مسلم "إذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، بأن القرآن المأمور بالإنصات له قراءة السورة، وقراءة الإمام لها قراءة للمأموم". بل إننا نقول: بأنه يستحب للإمام أن يسكت بعد الفاتحة قدر ما يقرأ المأموم الفاتحة، ودليل هذه النكتة حديث الحسن البصري أن سمرة بن جندب