وإلا تكتب بالنون، للفرق بينها وبين "إذا" الشرطية، وجاء في رواية "إذا ينكلوا" بالنون بدل التاء، من النكول وهو النكوص والامتناع عن العمل اعتمادا على الشهادتين.
(فأخبر بها معاذ عند موته تأثما) بفتح التاء والهمزة وضم الثاء المشددة مفعول لأجله، قال أهل اللغة: تأثم الرجل إذا فعل فعلا يخرج به من الإثم، وتحرج أزال عنه الحرج والمعنى هنا على هذا: أخبر معاذ بالمقالة عند موته للخروج من إثم الكتمان ولإزالته.
-[فقه الحديث]-
من الواضح أن معاذا استأذن في تبشير الناس وتحديثهم بهذا الحديث فلم يؤذن له، ومن الواضح أنه حدث به عند موته.
وأمام هذين الأمرين الواضحين يبرز إشكال مؤداه:
كيف خاف معاذ إثم الكتمان ولم يخف إثم مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وفي الجواب عن ذلك يقول النووي: كان معاذ يحفظ علما يخاف فواته وذهابه بموته، فخشي أن يكون ممن كتم علما، وممن لم يمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ سنته فأخبر بالحديث مخافة الإثم، وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عن الإخبار بالمقالة نهي تحريم.
وحاصل هذا الجواب أن معاذا كان عليه أن يختار بين كتمان الحديث، الأمر الذي يبلغ الحرمة، وبين تبليغه، المكروه كراهة تنزيه، فاحتاط وأزال ما يؤدي إلى الحرمة.
وقال القاضي عياض: لعل معاذا لم يفهم من النبي صلى الله عليه وسلم النهي، لكن فهم أنه صلى الله عليه وسلم كسر عزمه عما عرض له من بشراهم. اهـ.
فالقاضي عياض لا يرى نهيا أصلا، لا نهي تحريم ولا نهي تنزيه في فهم معاذ.
وقال بعضهم: لعل معاذا امتثل النهي عن التبشير، فلما سمع بحديث أبي هريرة الآتي -وفيه الأمر بالتبشير- اعتبره ناسخا فحدث به خروجا من إثم الكتمان.
وقال ابن الصلاح: منعه صلى الله عليه وسلم من التبشير العام خوفا من أن يسمع ذلك من لا خبرة له ولا علم، فيغتر ويتكل، وأخبر به صلى الله عليه وسلم على الخصوص من أمن عليه الاغترار والاتكال من أهل المعرفة فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر به معاذا، فسلك معاذ هذا المسلك، فأخبر به من الخاصة من رآه أهلا لذلك. اهـ.
وهذا الوجه ظاهر.
وأمام هذه الأجوبة يرد إشكال آخر، هو:
حيث استباح معاذ وفضل التبشير فلم أخره وكتمه إلى الموت؟