وأجابوا عن هذا الاعتراض، فقالوا: أخرج الحاكم بسند قوي عن ابن مسعود قال: "يتشهد الرجل، ثم يصلي على النبي، ثم يدعو لنفسه"، فإن ابن مسعود ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد في الصلاة، وأنه قال:"ثم ليتخير من الدعاء ما يشاء" فلما ثبت عن ابن مسعود الأمر بالصلاة عليه قبل الدعاء دل على أنه اطلع على زيادة بين التشهد والدعاء ويتقوى هذا بما أخرجه الترمذي عن عمر موقوفا: "الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم"، قال ابن العربي: ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي، فيكون له حكم الرفع.
واعترض على كل هذا بأن أقصى ما يدل عليه طلب الصلاة عليه ويكفي في هذا الاستحباب، ولا دلالة على الوجوب، وخصوصا أن الشافعية أنفسهم لم يوجبوا إلا "اللهم صل على محمد" وما زاد على ذلك جعلوه سنة مع أن تعليمهم الصلاة عليه اشتمل على الصلاة على الآل والذرية، وهي واجبة بالإجماع.
وأجيب عن هذا الاعتراض بما أخرجه البيهقي بسند قوي عن الشعبي وهو من كبار التابعين قال:"من لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد فليعد صلاته" وبما قاله الشافعي: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم التشهد في الصلاة، وروي عنه أنه علمهم كيف يصلون في الصلاة، فلا يجوز أن نقول: التشهد في الصلاة واجب والصلاة عليه فيه غير واجبة. اهـ ورد بأن هذا رأي ومذهب للشعبي والشافعي خال من الدليل.
وقد شنع جماعات على مذهب الشافعية، ونسبوه في ذلك إلى الشذوذ، ومنهم الطبري والطحاوي وابن المنذر والخطابي، وتصدى الحافظ ابن حجر للدفاع عن المذهب، فقال: إن فقهاء الأمصار لم يتفقوا على مخالفة الشافعي في ذلك، بل جاء عن أحمد روايتان، وعن إسحاق الجزم به في العمد فقال: إذا تركها يعيد والخلاف أيضا عند المالكية، ذكره ابن الحاجب في سنن الصلاة، قال: على الصحيح، فقال شارحه بن عبد السلام: يريد أن في وجوبها قولين، وهو ظاهر كلام ابن المواز منهم، وأما الحنفية فألزم بعض شيوخنا من قال منهم بوجوب الصلاة كلما ذكر، كالطحاوي ألزمهم بعض شيوخنا أن يقولوا بوجوبها في التشهد، لتقدم ذكره صلى الله عليه وسلم في آخر التشهد.
كما انتصر ابن القيم للشافعي فقال: أجمعوا على مشروعية الصلاة عليه في التشهد، وإنما اختلفوا في الوجوب والاستحباب، وفي تمسك من لم يوجبه بعمل السلف الصالح نظر، لأن عملهم كان بوفاقه، وقال: وأما قول عياض: إن الناس شنعوا على الشافعي فلا معنى له، فأي شناعة في ذلك؟ وهو لم يخالف نصا ولا إجماعا ولا قياسا ولا مصلحة راجحة؟ بل القول بذلك من محاسن مذهبه. اهـ.
واختلف العلماء في الصيغة المطلوبة سواء على وجه الوجوب أو الاستحباب، وبقي الخلاف على اختلاف الروايات، وقد قال النووي في شرح المهذب والأفضل في صفة الصلاة أن يقول: "اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل