أن الإمام لا يقول: ربنا لك الحمد، وإن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده. وهو مذهب مالك وأبي حنيفة ومن تبعهما، ووجه هذا الدليل بأنه قسم التسميع والتحميد، فجعل التسميع للإمام والتحميد للمأموم، والقسمة تنافي الشركة، واحتجوا كذلك بأن معنى "سمع الله لمن حمده" طلب التحميد، فيناسب حال الإمام، وأما المأموم فتناسبه حال الإجابة بقوله "ربنا لك الحمد" ويقويه حديث أبي موسى الأشعري المذكور قبل قليل في باب التشهد، ولفظه "وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقالوا: اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله لكم".
وقال الثوري والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد: يجمع الإمام الذكرين ويقتصر المأموم على "ربنا لك الحمد".
ومذهب الشافعية أنه يستحب لكل من الإمام والمأموم أن يقول في حال ارتفاعه: سمع الله لمن حمده، فإذا استوى قائما قال: ربنا لك الحمد فيستحب للإمام والمأموم الجمع بين هذين الذكرين، وبهذا قال عطاء وإسحق وداود واستدلوا بأنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين التسميع والتحميد، ففي البخاري ومسلم في باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع -وسيأتي بعد أبواب- عن ابن أبي أوفى قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد" وقال "صلوا كما رأيتموني أصلي" فيقتضي هذا مع ما قبله أن كل مصل يجمع بينهما، قالوا: ولأنهما ذكر كالتسبيح، فيستحب للإمام وغيره، لأن الصلاة مبنية على أن لا يفتر عن الذكر في شيء منها، فإن لم يقل بالذكرين في الرفع والاعتدال بقي أحد الحالين خاليا عن الذكر.
وأجابوا عن الرواية الأولى في بابنا بأنها ليس فيها ما يدل على النفي، بل فيها أن قول المأموم "ربنا ولك الحمد" يقول عقب قول الإمام "سمع الله لمن حمده" والواقع في التصوير ذلك، لأن الإمام يقول التسميع في حال انتقاله، والمأموم يقول التحميد في حال اعتداله، فقوله يقع عقب قول الإمام. وكأن المعنى: قولوا "ربنا ولك الحمد" مع ما قد علمتموه من قول "سمع الله لمن حمده" وإنما خص هذا بالذكر لأنهم كانوا يسمعون جهر النبي صلى الله عليه وسلم بـ"سمع الله لمن حمده" فإن السنة فيه الجهر، ولا يسمعون قوله "ربنا لك الحمد" لأنه يأتي به سرا، وكانوا يعلمون قوله صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي" مع قاعدة التأسي به صلى الله عليه وسلم مطلقا، وكانوا يوافقون في "سمع الله لمن حمده" فلم يحتج إلى الأمر به، ولا يعرفون "ربنا لك الحمد" فأمروا به. قاله النووي في شرح المذهب. اهـ.
وأجابوا عما احتج به المالكية والحنفية من حيث المعنى بأنه لا يدل على أن الإمام لا يقول "ربنا لك الحمد" إذ لا يمتنع أن يكون طالبا ومجيبا.
هذا حكم الإمام والمأموم، أما المنفرد فهو عند الشافعية كالإمام والمأموم يجمع بين الذكرين، وعند مالك وأبي حنيفة: يقول كما يقول الإمام "سمع الله لمن حمده" فقط، وفي قول للحنيفة: يجمع المنفرد بين الذكرين، وحملوا عليه الحديث الذي استدل به الشافعية