من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الذكرين فقال العيني: يمكن أن يكون هذا من النبي صلى الله عليه وسلم وهو منفرد: وأبو حنيفة أيضا حمله على حالة الانفراد. اهـ.
أما التأمين فمذهب الشافعية أنه سنة لكل مصل فرغ من قرأة الفاتحة سواء الإمام والمأموم والمنفرد، والرجل والمرأة والصبي، والقائم والقاعد والمضطجع والمفترض والمتنقل، في الصلاة السرية والجهرية، فإن كانت الصلاة سرية أسر الإمام وغيره بالتأمين تبعا للقراءة وإن كان جهرية، وجهر الإمام أو المنفرد بالقراءة استحب لهما الجهر بالتأمين بلا خلاف بين الشافعية، وخلافهم في المأموم حيث يجهر إمامه بالتأمين، وجمهورهم على أنه يجهر، وذهب جماعة منهم إلى أنه لا يجهر، ولعل منشأ الخلاف بينهم ما نقل عن الشافعي، ففي المذهب القديم يجهر وعبارته في المذهب الجديد تفيد عدم استحباب الجهر، ولفظها في المختصر وهو من الجديد "يرفع الإمام صوته بالتأمين، ويسمع من خلفه أنفسهم، ولفظهما في الأم يرفع الإمام بها صوته فإذا قالوها أسمعوا أنفسهم ولا أحب أن يجهروا، فإن فعلوا فلا شيء عليهم".
ووجهة نظر القائلين بجهر الإمام أن القول إذا وقع به الخطاب مطلقا حمل على الجهر، ومتى أريد به الإسرار أو حديث النفس قيد بذلك في الحديث الآمر بقول المأمومين: آمين. ثم إن الحديث قابل تأمين المأمومين بتأمين الإمام، ومقابلة القول بالقول ظاهرها الاتفاق في الصفة، والإمام قد استحب له الجهر، فالمأموم كذلك: وفي البخاري "أمن ابن الزبير ومن وراءه، حتى إن للمسجد للجة" ويروى "لجلبة" أي لصوت مرتفع.
وحكى القاضي أبو الطيب والعبدري الجهر بالتأمين للإمام والمأموم والمنفرد في الجهرية عن طاوس وأحمد وإسحق وابن خزيمة وابن المنذر وداود.
وعن مالك في التأمين ثلاث روايات: الأولى: لا يؤمن الإمام مطلقا في سرية ولا في جهرية، وكذا المنفرد، ويؤمن المأموم سرا في الجهرية. الثانية: لا يؤمن الإمام في الجهرية. ويؤمن سرا في السرية ويؤمن المنفرد سرا فيهما، الثالثة: يؤمن الإمام سرا في الجهرية والسرية ويؤمن المأموم والمنفرد سرا.
واحتج بعض المالكية للرواية الأولى -رواية عدم تأمين الإمام مطلقا بأن الإمام داع، بقوله {اهدنا الصراط المستقيم ... } إلخ فناسب أن يختص المأموم بالتأمين، واستدلوا بما رواه مسلم في باب التشهد (إذا قال: ولا الضالين، فقولوا: آمين) فإنه صلى الله عليه وسلم قسم ذلك بين الإمام والمأموم، والقسمة تنافي الشركة، وأجابوا عن حديث (إذا أمن الإمام فأمنوا) وظاهره أن الإمام يؤمن أجابوا بأنها قضية شرطية لا تثبت وقوع فعل الشرط، وعلى التسليم بأن (إذا) تشعر بتحقيق وقوع فعل الشرط فإن المراد من (أمن) موضع التأمين، بقوله {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} كما يقال: أنجد إذا بلغ نجدا، وإن لم يدخلها، وقال بعضهم. معنى إذا أمن الإمام، إذا دعا بقوله {اهدنا الصراط المستقيم} وتسمية الداعي مؤمنا سائغة، لأن المؤمن يسمى داعيا، كما جاء في قوله تعالى {قد أجيبت دعوتكما}[يونس: ٨٩] وكان موسى داعيا، وهارون مؤمنا.