ورد هذا الاحتجاج بجميع وجوهه، فإن قولهم: إن الإمام داع فناسب أن يختص التأمين بالمأموم، لأنه جواب للدعاء، مردود بأن التأمين دعاء قائم مقام التخليص بعد البسط، فالمناسب للإمام أن يقوله، لأنه في مقام الداعي، ثم إنه إذا استحب التأمين للسامع، فالداعي أولى بالاستحباب.
ثم إن استدلالهم برواية مسلم "إذا قال: ولا الضالين، فقولوا: آمين "غير مسلم، لأنه قصد منه موافقة تأمين المأموم لتأمين الإمام، أي إذا بلغ "ولا الضالين" فقولوا: آمين ليوافق تأمينكم تأمينه، فقد روى أبو داود وابن ماجه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال آمين حتى يسمع من الصف الأول "زاد ابن ماجه "فيرتج بها المسجد".
وإجابتهم عن حديث "إذا أمن الإمام" بأن معنى "أمن" بلغ موضع التأمين قال عنها ابن العربي: هذا بعيد لغة وشرعا، وقال عنها ابن دقيق العيد: هذا مجاز، فإن وجد دليل يرجحه عمل به، وإلا فالأفضل عدمه اهـ والواقع أنه لا دليل يرجحه، بل الدليل على خلاف هذا التأويل، وقول بعضهم:"إذا أمن" معناه إذا دعا إلخ مردود بأنه لا يلزم من تسمية المؤمن داعيا تسمية الداعي مؤمنا، ثم إنه لم يصح أن هارون كان مؤمنا ولم يكن داعيا، ولو صح كان إطلاق دعوتكما من قبيل التغليب.
وأما الرواية الثانية عن مالك، وهي أن الإمام لا يؤمن في الجهرية ويؤمن سرا في السرية فيمكن الاستدلال لها والرد عليها بالاستدلال السابق والرد عليه.
بقيت الرواية الثالثة عن مالك، وهي استحباب التأمين سرا للإمام والمأموم والمنفرد وهو مذهب الحنفية، وقد استدل له برواية شعبة عن علقمة بن وائل عن أبيه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغ (غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال: آمين، وأخفى بها صوته) ولفظ الحاكم (وخفض بها صوته) كما استدل له بما رواه محمد بن الحسن في كتاب الآثار: حدثنا أبو حنيفة حدثنا حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: (أربع يخفيهن الإمام. التعوذ، وبسم الله الرحمن الرحيم، وسبحانك اللهم، وآمين).
وقد ورد هذا الاستدلال بأن رواية شعبة عند أبي داود بلفظ "قال: آمين ورفع بها صوته" ولفظ الترمذي "ومد بها صوته" وحيث تعارضت لا تصلح دليلا بل روايات الرفع أقوى، أما أثر إبراهيم النخعي فهو ضعيف لا يحتج به.
ثم إنه لو لم يكن التأمين مسموعا للمأموم لم يعلم به، وقد علق تأمينه بتأمينه فترجح أن الإمام يؤمن فيجهر به في الجهرية، كما هو مذهب الشافعية.
وهناك في التأمين مذهبان شاذان على طرفي نقيض، أحدهما للإمامية إذ قالوا: إن التأمين يبطل الصلاة، لأنه لفظ ليس بقرآن ولا ذكر. وثانيهما للظاهرية، إذ أوجبوه على كل مصل، وحكي عن ابن حزم أنه سنة للإمام واجب على المأموم، عملا بظاهر الأمر والله أعلم.
والمراد بموافقة الملائكة في التسميع والتحميد والتأمين الموافقة في القول والزمان خلافا لمن