قال: المراد الموافقة في الإخلاص والخشوع كابن حبان، قال ابن المنير: الحكمة في إيثار الموافقة في القول والزمان أن يكون المأموم على يقظة للإتيان بالوظيفة في محلها، لأن الملائكة لا غفلة عندهم فمن وافقهم كان متيقظا. اهـ.
قال النووي في شرح المهذب: يستحب أن يقع تأمين المأموم مع تأمين الإمام، لا قبله ولا بعده، لقوله صلى الله عليه وسلم "فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" فينبغي أن يقع تأمين الإمام والمأموم والملائكة دفعة واحدة: وقال إمام الحرمين: كان شيخي يقول: لا يستحب مقارنة الإمام في شيء إلا في هذا، قال الإمام: يمكن تعليل استحباب المقارنة بأن القوم لا يؤمنون لتأمينه، وإنما يؤمنون لقراءته، وقد فرغت قراءته.
فإن قيل: هذا مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا أمن الإمام فأمنوا) فجوابه أن الحديث الآخر "إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين" وكلاهما في الصحيح يقتضي الجمع بينهما، وهذا كقولهم: إذا رحل الأمير فارحلوا، أي إذا تهيأ للرحيل فتهيئوا ليكون رحيلكم معه، وبيانه في الحديث الآخر "إذا قال أحدكم: آمين، وقالت الملائكة: آمين، فوافق أحدهما الآخر، فظاهره الأمر بوقوع تأمين الجميع في حالة واحدة اهـ واختار ابن بزيزة أن المراد من الملائكة جميعهم، وهو بعيد إذ لا يتصور أن يؤمن جميع الملائكة كلما أمن إمام في الأرض، وإلا لم يكن لهم عمل غير التأمين الذي لا تكاد لحظة تخلو منه على وجه الأرض، وقيل الحفظة منهم، وقيل: الذين يتعاقبون منهم إذا قلنا: إنهم غير الحفظة، قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من الملائكة، ممن في الأرض، أو في السماء، وهو قول وجيه ويؤيده رواياتنا الثالثة والرابعة والخامسة إذ فيها "والملائكة في السماء" وفيها "فوافق قوله قول أهل السماء" وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال: "صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد" قال الحافظ ابن حجر. ومثله لا يقال بالرأي، فالمصير إليه أولى. اهـ.
هذا والموافقة في الجهرية معقولة ويسيرة لمن سمع الإمام حتى قرأ المأموم خلف الإمام فبلغ الإمام التأمين قبل المأموم استحب له أن يقطع قراءته ويوافق الإمام في التأمين، بهذا القول قال أكثر الشافعية، ثم اختلفوا هل تنقطع بذلك الموالاة؟ قولان، أصحهما أنها تنقطع.
لكن الموافقة في السرية، أو في الجهرة لمن لا يسمع الإمام عسيرة، فهل يستحب له أن يتحرى؟ أو غير مطالب بالموافقة؟ الظاهر الثاني.
ثم ظاهر الحديث أن هذا الوعد، وهو غفران ما تقدم من الذنب إنما هو للمأموم الذي وافق تأمينه تأمين الملائكة، أما الإمام الذي أمن فوافقه المأموم والملائكة، فلا يدخل في هذا الوعد وكذا المنفرد الذي أمن، لكن لا يمنع من أن لكل منهما ثواب آخر غير هذا الوعد، إذ ربط هذا الوعد بيقظة المأموم، وإيقاعه التأمين موافقا للملائكة، لكن الحافظ ابن حجر يرى دخول الإمام في الوعد من باب أولى، كما سيأتي فيما يؤخذ من الحديث، والمراد من الذنب الذي وعد بغفرانه الصغائر من الذنوب وإن كان ظاهر الحديث جميعها، ولكن العلماء حملوه على الصغائر، كما مضى أمثاله فيمن توضأ كوضوئه