هاتين علامة على لقياك لي، وبشر كل من لقيته وراء هذا الحائط يبحث عني، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله شهادة خالصة نابعة من تمكن الإيمان في قلبه. بشره أنه من أهل الجنة.
وخرج أبو هريرة -فرحا مسرورا- ليؤدي الرسالة، فكان أول رجل يلقاه عمر بن الخطاب، وأبو هريرة يتهيبه، كما يتهيبه كثير من الصحابة لشدته، فلم يشأ أن يلقي إليه الخبر إلقاء، بل رغب في أن يكون مفتتح الكلام عمر، فأبرز نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ فقال: لقد لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا البستان وهاتان نعلاه، وهو على خير ما نحب له، بعثني بهما لأبشر بالجنة كل من لقيت وراء هذا البستان ممن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، شهادة خالصة نابعة من صميم قلبه.
وخاف عمر من عاقبة هذه البشرى على صالح صفوة المسلمين، ومنزلتهم عند الله، وأراد أن يمنع أبا هريرة من التبشير حتى يراجع بشأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأراد أن يشتد في المنع خشية أن يستهتر أبو هريرة بطلبه أمام أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفعه في صدره وهو يقول له: لا تفعل يا أبا هريرة، وارجع أمامي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يتحمل أبو هريرة دفعة عمر الشديدة - بدون قصد- فسقط على الأرض، ووقع على عجزه، ثم قام تخنقه العبرات، وسار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر يمشي من ورائه.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك يا أبا هريرة؟ فشكا له ما لقي من عمر.
فنظر صلى الله عليه وسلم إلى عمر، وقال له: ما حملك على ما فعلت يا عمر؟
قال: يا رسول الله. أفديك بأبي وأمي. هل بعثت أبا هريرة بنعليك يبشر بالجنة من لقي وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مطمئنا بها قلبه؟ قال: نعم، قال عمر: لا تفعل هذا يا رسول الله، فإني أخشى أن يتكل الناس على هذه البشرى فلا يتسابقون إلى الخيرات، خلهم يعملون يا رسول الله.
وأمام وجهة نظر عمر، وخشيته من التقاعس عن عمل الخير، وعن التنافس في الطاعات رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تأجيل هذه البشرى فقال: فخلهم يعملون، صلى الله عليه وسلم ورضي عن عمر وأبي هريرة وعن الصحابة أجمعين.
-[المباحث العربية]-
(كنا قعودا) خبر "كان" مصدر مؤول بمشتق، أي قاعدين.
(حول النبي صلى الله عليه وسلم) قال أهل اللغة: يقال قعدنا حوله وحوليه، وحواليه، وحواله، بفتح الحاء واللام في جميعها، أي على جوانبه.
(ومعنا أبو بكر وعمر) "معنا" بفتح العين على اللغة المشهورة، ويجوز تسكينها في لغة، وهي للمصاحبة، قال صاحب المحكم "مع" اسم معناه الصحبة مفتوحة العين أو ساكنتها غير أن