وهذه المآخذ الثلاثة مبنية على أن أبا بكر كان قد دخل في الصلاة ثم قطع القدوة وائتم برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ويؤيده أن في بعض الروايات عن ابن عباس "فابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم القراءة من حيث انتهى أبو بكر".
١٤ - وفيه تأكيد أمر الصلاة، وأنها أهم ما يسأل عنه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم في شدته لم يسأل عن شيء غير الصلاة.
١٥ - وفيه الحرص على المبادرة إليها أول الوقت وإنما لم يبادر الصحابة في هذه الواقعة كما بادروا في حديث خروجه إلى بني عوف [الآتي في الباب التالي] لأنهم هنا رجوا خروجه عن قرب، وهناك علموا بعده أو ظنوا أنه قد صلى.
١٦ - وفيه تأكيد أمر صلاة الجماعة، والأخذ فيها بالأشد، وإن كان المرض يرخص في تركها، ويحتمل أن يكون فعل ذلك لبيان جواز الأخذ بالأشد، وتحمل المشقة، وإن كانت الرخصة أولى، وقال الطبري: إنما فعل ذلك وخرج مع الشدة التي هو فيها لئلا يعذر أحد من الأمة بعده نفسه بأدنى عذر، فيتخلف عن الإمامة، ويحتمل أن يكون قصد إفهام الناس أن تقديمه لأبي بكر كان لأهليته لذلك، حتى إنه صلى خلفه.
١٧ - وفيه فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وترجحه على جميع الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- وتفضيله، وتنبيهه على أنه الأحق بالخلافة، لأن إمامة الصلاة للخليفة، وتحاول الشيعة رد هذه الفضيلة وتزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم عزله عنها بخروجه وإمامته وتخلف أبي بكر ليكون مأموما، وهو زعم فاسد، فإن الرواية الثامنة والتاسعة والعاشرة صريحة في أن أبا بكر صلى بالناس بعد ذلك أياما ثلاثة لم يخرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرد هذا الزعم من أساسه أن الصحابة حين تشاوروا في الخلافة قالوا: رضينا لدنيانا من رضيه النبي صلى الله عليه وسلم لديننا.
١٨ - ويؤخذ من قول أبي بكر -في الرواية الأولى- "يا عمر صل بالناس" فضيلة عمر بن الخطاب بعد أبي بكر- رضي الله عنهما- لأن أبا بكر لم يعدل إلى غيره.
١٩ - كما يؤخذ من هذا القول أن للمستخلف في الصلاة أن يستخلف، ولا يتوقف على إذن خاص له بذلك. قاله القرطبي: وقال الحافظ ابن حجر: استدل به على جواز استخلاف الإمام لغير ضرورة، لصنيع أبي بكر. اهـ.
والظاهر أن أبا بكر لم يرد بعرضه الأمر على عمر ما أرادت عائشة. قال النووي: تأوله بعضهم على أنه قاله تواضعا، وليس كذلك، بل قاله للعذر المذكور، وهو كونه رقيق القلب، كثير البكاء، فخشي أن لا يسمع الناس. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكون رضي الله عنه فهم من الإمامة الصغرى الإمامة العظمى، وعلم ما في تحملها من الخطر، وعلم قوة عمر على ذلك، فاختاره، ويؤيده أنه عند البيعة أشار عليهم أن يبايعوا عمر، أو يبايعوا أبا عبيدة بن الجراح، والظاهر أنه لم يطلع على مراجعة عائشة، وفهم من الأمر له بذلك تفويض الأمر له في ذلك، سواء باشر بنفسه أو استخلف. اهـ.