أبا ذر يقول: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أي المساجد في الأرض وضعها اللَّه أولاً للناس للصلاة فيها؟ ومن الطبيعي أن يكون أول مكان وضع للعبادة وقامت فيه العبادة أفضل الأماكن - قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أول مسجد وضع في الأرض للعبادة هو المسجد الحرام بمكة، قال أبو ذر: ثم ما هو المسجد الثاني؟ قال صلى اللَّه عليه وسلم: المسجد الأقصى ببيت المقدس، قال أبو ذر كم سنة كانت بينهما! قال صلى اللَّه عليه وسلم: أربعون سنة، وخشي صلى اللَّه عليه وسلم أن تحرص أمته على السفر إلى هذين المسجدين فأشار إلى أن الأرض كلها صالحة للصلاة عليها، ورب مصل بقلب خاشع وإخلاص في غير هذين المسجدين أفضل من بعض من يصلي فيهما بالليل والنهار.
وفي الحديث الآخر يسوق مسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضلت على من سبقني من الأنبياء بخصال: لا أقول ذلك فخراً وكبراً إنما أتحدث بنعمة الله تعالى لأزداد شكراً، ولتشكر أمتي ربها على تكريمها وتكريم نبيها، من هذه الخصائص: كان كل نبي يرسل إلى قوم محددين تنتهي رسالته عندهم وتنتهي بعده وبعدهم، لكن محمداً صلى الله عليه وسلم أرسل إلى أهل الأرض جميعاً من يوم بعثته إلى يوم القيامة، وكان من قبله إذا غنموا لم تحل لهم الغنائم، بل كانت تترك في العراء حتى تهلك فأحل الله له ولأمته الغنائم، وكان من قبله لا يصلون إلا في كنائسهم ومعابدهم، ولا يصح طهورهم إلا بالماء فجعل الله لمحمد وأمته الأرض كلها صالحة للصلاة عليها وترابها صالحاً للتيمم والتطهر، فأي مسلم أدركته الصلاة وحان وقتها وكاد يخرج ولم يجد ماء فعنده مسجده وطهوره فليتيمم وليصل، ومن خصوصياته صلى الله عليه وسلم أن الله كان يلقي الرعب في قلوب أعدائه، مما يسهل له النصر عليهم، وأنه أعطي الشفاعة العظمى يوم القيامة، وختم به النبيون فلا نبي بعده، وأعطي القرآن وهو جوامع الكلم، قليل اللفظ كثير المعنى، وبشره الله بأن أمته سيفتح الله عليها كنوز الأرض، فتصبح مالكة لكثير من بقاعها، مالكة لكثير من كنوزها وخيراتها، وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم وما بشر به.
نسأل الله أن يجعل هذه الكنوز وهذه الخيرات في خدمة الآخرة، إنه سميع مجيب.
-[المباحث العربية]-
(أي مسجد) في بعض الروايات "أي بيت" والمراد من البيت المسجد، كما في قوله تعالى {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا}[آل عمران: ٩٦].
(وضع في الأرض) أي وضع للعبادة.
(أولا) في رواية البخاري "أول" بالبناء على الضم، لقطعه عن الإضافة، مثل قبل وبعد، والتقدير: أول كل شيء، وروايتنا بالنصب والتنوين، ويجوز فيه المنع من الصرف.
(المسجد الحرام) خبر مبتدأ محذوف. أي أول مسجد وضع في الأرض المسجد الحرام بمكة.