(وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها) قال النووي: روى "فاستقبلوها" بكسر الباء وفتحها والكسر أصح وأشهر، وهو الذي يقتضيه الكلام بعده، اهـ. فالكسر على صيغة الأمر، والآمر الرجل الآتي لهم من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويؤيده رواية البخاري في التفسير "ألا فاستقبلوها" وفتح الباء رواية الأكثر فعل ماض، يحكي الراوي استجابتهم وتنفيذهم للتشريع، والفاعل يصح أن يقصد به الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويصح أن يقصد به أهل قباء.
(وكانت وجوههم إلى الشام) هو من كلام ابن عمر، لا من كلام الرجل المخبر.
(فاستداروا إلى الكعبة) وقد وقع بيان كيفية التحول في بعض الروايات، وفيها، "فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء" قال الحافظ: وتصويره أن الإمام تحول من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخر المسجد، لأن من استقبل الكعبة في المدينة استدبر بيت المقدس، وهو لو دار في مكانه لم يكن خلفه الصفوف.
(في صلاة الغداة) صلاة الصبح.
-[فقه الحديث]-
ظاهر الحديث أن استقبال بيت المقدس إنما وقع بعد الهجرة إلى المدينة لكن أخرج الإمام أحمد عن ابن عباس "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه" قال الحافظ ابن حجر: ويمكن الجمع بينهما بأن يكون صلى اللَّه عليه وسلم قد أمر لما هاجر بأن يستمر على الصلاة لبيت المقدس. وأخرج الطبراني من طريق ابن جريج قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة، ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة، فصلى ثلاث حجج، ثم هاجر فصلى إليه بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرًا، ثم وجهه اللَّه إلى الكعبة.
وما رواه الطبراني لا يتنافى مع ما رواه أحمد لجواز أن يكون الاستقبال بدأ إلى الكعبة ثم صرف إلى بيت المقدس فحدث ابن عباس عن الحالة الثانية:
قال الحافظ ابن حجر: وزعم ناس أنه لم يزل يستقبل الكعبة بمكة، فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس، ثم نسخ قال: وهذا ضعيف، والأول أصح لأنه جمع بين القولين. اهـ.
واختلف العلماء في أن استقبال بيت المقدس هل كان ثابتًا بالقرآن أو باجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم، والذي ذهب إليه أكثر العلماء أنه كان بسنة لا بقرآن، فعلى هذا يكون فيه دليل لقول من قال: إن القرآن ينسخ السنة، وهو قول أكثر الأصوليين المتأخرين، والقول الثاني وبه قال الشافعي وآخرون لا يجوز أن ينسخ القرآن السنة، لأن السنة مبينة للكتاب فكيف ينسخها؟ وهؤلاء يقولون: لم يكن استقبال بيت المقدس بسنة، بل كان بوحي، قال تعالى:{وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ... }[البقرة: ١٤٣] الآية، وفي تحرير القول بالمدة التي استقبل بها بيت المقدس في المدينة