٥ - وفيه بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيم الخلق والرفق بالجاهل ورأفته بأمته وشفقته عليهم.
٦ - وفيه النهي عن إتيان الكهان. قال النووي: قال العلماء: إنما نهي عن إتيان الكهان لأنهم يتكلمون في مغيبات قد يصادف بعضها الإصابة، فيخاف الفتنة على الإنسان بسبب ذلك، لأنهم يلبسون على الناس كثيرًا من أمر الشرائع، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكهان وتصديقهم فيما يقولون، وتحريم ما يعطون من الحلوان، وهو حرام بإجماع المسلمين: قال البغوي: اتفق أهل العلم على تحريم حلوان الكاهن، وهو ما أخذه المتكهن على كهانته، لأن فعل الكهانة باطل، لا يجوز أخذ الأجرة عليه، وقال الماوردي في الأحكام السلطانية: ويمنع المحتسب الناس من التكسب بالكهانة واللهو، ويؤدب عليه الآخذ والمعطي، وقال الخطابي: وحلوان العراف حرام أيضًا، قال: والفرق بين العراف والكاهن أن الكاهن إنما يتعاطى الأخبار عن الكوائن في المستقبل، ويدعي معرفة الأسرار، والعراف يتعاطى معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما، وقال الخطابي أيضًا في حديث "من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم". قال: كان في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيرًا من الأمور، فمنهم من كان يزعم أن له رئيًا من الجن يلقي إليه الأخبار، ومنهم من يدعي استدراك ذلك بفهم أعطيه، ومنهم من يسمى عرافًا، وهو الذي يزعم معرفة الأمور بمقدمات أسباب استظل بها كمعرفة من سرق الشيء الفلاني، ومعرفة من يتهم به المرأة، ونحو ذلك، ومنهم من يسمي المنجم كاهنًا. قال: والحديث يشتمل على النهي عن إتيان هؤلاء كلهم والرجوع إلى قولهم وتصديقهم فيما يدعونه. قال النووي: هذا كلام الخطابي، وهو نفيس. اهـ
٧ - وفي الحديث أن ما يقع في الصدر من التطير لا إثم فيه ولكن المنهي عنه العمل به والامتناع عن التصرف بسببه، وأحاديث النهي عن الطيرة محمولة على النهي عن العمل بها، لا على ما يوجد في النفس من غير عمل على مقتضاها.
٨ - وفي الخط الوارد في هذا الحديث يقول النووي: اختلف العلماء في معناه، فالصحيح أن معناه من وافق خطه فهو مباح له، ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة، فلا يباح، والمقصود أنه حرام، لأنه لا يباح إلا بيقين الموافقة، وليس لنا يقين بها، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم "فمن وافق خطه فذاك". ولم يقل: هو حرام بغير تعليق على الموافقة لئلا يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي الذي كان يخط، فحافظ النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة ذلك النبي مع بيان الحكم في حقنا، فالمعنى أن ذلك النبي لا منع في حقه، وكذا لو علمتم موافقته، ولكن لا علم لكم بها.
وقال الخطابي: هذا الحديث يحتمل النهي عن هذا الخط إذا كان علمًا لنبوة ذلك النبي وقد انقطعت، فنهينا عن تعاطي ذلك. وقال القاضي عياض: المختار أن معناه أن من وافق خطه فذاك الذي يجدون إصابته فيما يقول، لا أنه أباح ذلك لفاعله، قال: ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا. فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن. اهـ