وأن أبا العاص كان مشركًا بمكة، وكان كل من رأى أمامة وسأل عنها قيل: بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تكريمًا لها وحبًا لحب جدها فجرى على لسان الناس هذه النسبة، لا قصد الشرع، ولكن بحكم جريان الألسنة، ولما لم يستسغ الراوي الاكتفاء بهذه النسبة نسبها النسب الحقيقي لأبيها وهو مشرك، ولو قصد الشرع ما نسبها النسبة الثانية. يؤكد ما ذهبت إليه أن الرواية الثالثة من رواياتنا نسبتها إلى أبيها فقط، وأن الرواية الثانية عكست نسبة الرواية الأولى، فنسبتها إلى أبيها أولاً ثم زادتها تعريفًا بنسبتها إلى أمها. والله أعلم.
-[فقه الحديث]-
يجتهد العلماء في توجيه هذا الحديث لدلالته على وقوع الحركات الكثيرة في الصلاة مما يتنافى وما تقرر من أن الحركات الكثيرة تبطلها، فبعضهم يرى:
١ - أن ذلك العمل منه صلى الله عليه وسلم لم يكن عن عمد فيقول الخطابي: يشبه أن يكون الصبية كانت قد ألفته، فإذا سجد تعلقت بأطرافه والتزمته فينهض من سجوده، فتبقى محمولة كذلك إلى أن يركع فيرسلها قال: هذا وجهه عندي. وتوضيح وجهه أنه يقصد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفعها وكل أعماله أنه كان يضعها عند الركوع، وهذا العمل قليل معفو عنه، وقريب من هذا القول قول ابن دقيق العيد، إذ قال: من المعلوم أن لفظ حمل لا يساوي لفظ وضع في اقتضاء فعل الفاعل. لأنا نقول: فلان حمل كذا، ولو كان غيره حمله، بخلاف وضع، فعلى هذا فالفعل الصادر منه هو الوضع لا الرفع، فيقل العمل. اهـ وكان ابن دقيق العيد يشرح الرواية الأولى في بابنا وهي في البخاري ولم يكن اطلع على روايتنا الثانية، فلما اطلع عليها قال - رحمه الله - وقد كنت أحسب هذا التوجيه حسنًا إلى أن رأيت في بعض طرق الحديث الصحيحة "وإذا رفع من السجود أعادها". اهـ وهذه الرواية ترد كذلك توجيه الخطابي، وأصرح منها في ذلك رواية أبي داود وهي "أخذها فردها في مكانها" ورواية أحمد "وإذا قام حملها فوضعها على رقبته".
٢ - وبعضهم يرى أن ذلك كان في النافلة، فيغتفر فيها ما لا يغتفر في الفريضة، روى ذلك ابن القاسم عن مالك، ورده العلماء بأنه تأويل بعيد، قال المازري: لأن إمامته صلى الله عليه وسلم بالناس في النافلة ليست بمعهودة ويعارضه صريح بعض الروايات، فعند أبي داود "بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر وقد دعاه بلال إلى الصلاة إذ خرج علينا وأمامة على عاتقه، فقام في مصلاه، فقمنا خلفه، فكبر فكبرنا وهي في مكانها".
٣ - وبعضهم يرى أن ذلك جاز للضرورة. قال القرطبي: روى أشهب وعبد الله بن نافع عن مالك أن ذلك للضرورة حيث لم يجد من يكفيه أمرها. اهـ وزاد بعض أصحابه، فقالوا لأنه لو تركها لبكت وشغلت سره في صلاته أكثر من شغله بحملها، وزاد بعض أصحابه أيضًا، فقال الباجي: إن وجد من يكفيه أمرها جاز في النافلة دون الفريضة، وإن لم يجد جاز فيهما. اهـ وهذا مردود برواية