المساجد" لفظ الرواية الأولى، و"فلا يقربن مساجدنا" لفظ الرواية الثانية، ثم قال: وقال القاضي: وقاس العلماء على هذا مجامع الصلاة غير المسجد كمصلى العيد والجنائز ونحوهما من مجامع العبادات وكذا مجامع العلم والذكر والولائم ونحوها، اهـ وقال الحافظ ابن حجر: قد ألحق بعضهم هذه الأماكن بالمسجد عن طريق القياس لكن دخولها بطريق العموم أولى، ويؤكد هذا ما جاء في الرواية السادسة بلفظ "وليقعد في بيته" وقال: وحكم رحبة المسجد وما قرب منه حكمه، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحها في شخص في المسجد أمر بإخراجه إلى البقيع كما في الرواية العاشرة. اهـ وهل يعم الحظر جميع أحوال المسجد حتى ولو لم يكن به أحد؟ أو كان به جماعة كلهم أكلوا فلا يتأذون؟ وهل تدخل الأسواق في المجتمعات المنهي عن دخولها لآكل الثوم؟ .
يقول الحافظ ابن حجر: علل المنع في الحديث بترك أذى الملائكة وترك أذى المسلمين، فإن كان كل منهما جزء علة اختص النهي بالمساجد وما في معناها، ولا تدخل الأسواق، وهذا هو الأظهر، ويؤيده قوله في روايتنا الثامنة "فلا يقربنا في المسجد" قال القاضي ابن العربي: ذكر الصفة في الحكم "في المسجد" يدل على التعليل بها، اهـ
أقول: والأظهر عندي أن كلاً منهما علة كافية في المنع، فمن أذى ملائكة الرحمة التي تتجمع في مجامع العبادة والذكر والعلم ونحوها منع من إيذائها ولو لم يؤذ غيرها، كمن دخل المسجد برائحة الثوم ولا أحد فيه، أو فيه جماعة كلهم أكلوا الثوم، ومن آذى المسلمين برائحة الثوم في أي اجتماع لهم ولو كان لا يجتمع فيه ملائكة الرحمة كالأسواق منع أيضاً. يؤكد ذلك عبارة "فلا يأتين المساجد" في الرواية الأولى، وعبارة "فلا يقربن مساجدنا حتى يذهب ريحها" في الرواية الثانية، وعبارة "فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس" في الرواية الخامسة والسابعة، كل ذلك ظاهره النهي ولو لم يكن بالمسجد أحد من الإنس وعبارة "فلا يقربنا" في الرواية الثالثة، وعبارة "فليعتزلنا وليقعد في بيته" في الرواية السادسة تؤكد منع قدوم آكل الثوم على الجماعة وإن لم تكن في أماكن العبادة والله أعلم.
أما أكل الثوم ونحوه فلا يتعلق به النهي. قال النووي: فهذه البقول حلال بإجماع من يعتد به، وحكى القاضي عياض عن أهل الظاهر تحريمها، لأنها تمنع عن حضور الجماعة، وهي عندهم فرض عين، وحجة الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم في أحاديث الباب "كل فإني أناجي من لا تناجي" وقوله صلى الله عليه وسلم "أيها الناس إنه ليس لي تحريم ما أحل الله لي" قال العلماء: ويلحق بالثوم والبصل والكراث كل ما له رائحة كريهة من المأكولات وغيرها قال القاضي: ويلحق به من أكل فجلاً وكان يتجشى، قال: وقال ابن المرابط: ويلحق به من به بخر فيه، أو به جرح له رائحة، اهـ وألحق بعضهم بذلك أصحاب الصنائع كالسماك والدباغ والقصاب ونحوهم. وقال ابن المنير: ألحق بعض أصحابنا المجذوم وغيره بآكل الثوم في المنع من المسجد. قال: وفيه نظر، لأن أكل الثوم أدخل على نفسه باختياره هذا المانع، والمجذوم علته سماوية.
قال النووي: وقد اختلف أصحابنا في الثوم. هل كان حراماً على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان يتركه