للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثامنة "وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسجد سجدتين" فإن ظاهر الروايتين أن يبنى على اليقين ويكمل، حتى ولو صلى الرباعية خمسًا.

وقد اختلف العلماء في فهم هذه الأحاديث وفي الأخذ ببعضها أو الجمع بينها، فنقل الطبري عن بعض أهل العلم أن للمصلي أن يأخذ بأيهما شاء، وقال الحسن البصري وطائفة من السلف بظاهر الرواية الثانية، وقالوا: إذا شك المصلي فلم يدر زاد أو نقص فليس عليه إلا سجدتان وهو جالس، عملاً بظاهر هذا الحديث، وقالوا: إن حديث أبي سعيد مختلف في وصله وإرساله، فيرجح حديث أبي هريرة. ورد هذا القول بأن حديث أبي سعيد وصله مسلم وصححه. والأخذ بالحديثين أولى من الترجيح. وقال مالك والشافعي وأحمد والجمهور: متى شك في صلاته، هل صلى ثلاثًا أو أربعًا لزمه البناء على اليقين فيجب أن يأتي برابعة ويسجد للسهو، عملاً بحديث أبي سعيد - روايتنا السابعة - عند أبي داود "إذا شك أحدكم في صلاته فليلق الشك، وليبن على اليقين، فإذا استيقن التمام سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة [التي زادها] نافلة والسجدتان، وإن كانت ناقصة كانت الركعة تمامًا لصلاته وكانت السجدتان مرغمتين للشيطان" أي مغيظتين له.

قالت الشافعية: فحديث أبي سعيد هذا مفسر لحديث أبي هريرة -روايتنا الثانية - غير معارض له، إذ حديث أبي هريرة يذكر حكم كل ساه - بعد أن يرجع في حكم ما سها عنه إلى سائر الأحاديث الموضحة للحكم - فحكم كل ساه في نهاية أمره أن يسجد سجدتين.

وقال بعضهم: إن حديث أبي هريرة فيما إذا طرأ عليه الشك وقد فرغ قبل أن يسلم. فإنه لا يلتفت إلى ذلك الشك، ويسجد للسهو، كمن طرأ عليه الشك بعد أن سلم، وحديث أبي سعيد فيمن طرأ عليه الشك قبل ذلك فيبنى على اليقين. قاله الحافظ ابن حجر: وقال: وعلى هذا فقوله في حديث أبي هريرة "وهو جالس" يتعلق بقوله "لم يدر" لا بقوله "فليسجد" انتهى بتصرف.

وقال الحنفية: إن كان الشك عرض له أول مرة بطلت صلاته وأعاد لتقع صلاته على وصف الصحة بيقين [في إسناد هذا القول لأبي حنيفة نظر والظاهر أن كثيرًا من الحنفية لم يصرحوا بالبطلان، وطلبوا الإعادة على أنها الأفضل] وإن صار الشك عادة له اجتهد وعمل بغالب ظنه، وإن لم يظن شيئًا عمل بالأقل.

وقد خالف الحنفية الجمهور في قولهم بالعمل على أكبر ظنه، وبه فسروا الأمر بطلب تحري الصواب في الرواية الثامنة وملحقاتها لكن مجموع الروايات في المسألة ضدهم، ففي الترمذي "إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين فليجعلها واحدة، وإذا شك في الثنتين والثلاث فليجعلها ثنتين وإذا شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثًا ثم ليتم ما بقي من صلاته، حتى يكون الوهم في الزيادة، ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم"، وأخرجه الحاكم في المستدرك، وفيه "فإن الزيادة خير من النقصان" وقال: صحيح الإسناد، ورواه الترمذي أيضًا، وقال: حسن صحيح.

ولم يعمل جماعة بالحديثين، فقد قال الشعبي والأوزاعي وجماعة من السلف: إذا لم يدر كم

<<  <  ج: ص:  >  >>