صلى لزمه أن يعيد مرة بعد أخرى أبدًا حتى يستيقن، وقال بعضهم: يعيد ثلاث مرات، فإذا شك في الرابعة فلا إعادة عليه، وبعضهم فرق بين المبتلى بالشك فيعمل بالتحري، وبين المبتدئ غير المبتلى فيعيد، وهذه أقوال لا يلتفت إليها وإن استندت إلى روايات ضعيفة.
(ب) وظاهر حديث أبي هريرة عن ذي اليدين، في رواياته الخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة يتعارض مع حديث عمران بن حصين، في روايته التاسعة عشرة والمتممة للعشرين، إذ في روايات أبي هريرة أن التسليم كان من ركعتين، وفي روايتي عمران أن التسليم كان من ثلاث وفي الرواية الخامسة عشرة، وهي لأبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة أتى جذعًا في قبلة المسجد فاستند إليها، وفي رواية عمران أنه صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة دخل منزله ثم خرج يجر رداءه.
من هذا التعارض جنح ابن خزيمة ومن تبعه إلى القول بتعدد الواقعة، لكن المحققين من المحدثين جنحوا إلى الجمع، فمن جهة الركعتين والثلاث فقد نقل الحافظ ابن حجر عن العلائي أن بعض شيوخه حمله على أن المراد به أنه سلم في ابتداء الركعة الثالثة، واستبعده. قال: ولكن طريق الجمع يكتفى فيه بأدنى مناسبة، وليس بأبعد من دعوى التعدد، فإنه يلزم منه كون ذي اليدين في كل مرة استفهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، واستفهم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن صحة قوله. اهـ
ولا يبعد عندي للجمع بين الحديثين أن نقول: إن عمران ربما كان قد سها في صلاته فلم يدر، فحسب أن الرسول صلى الله عليه وسلم سلم من ثلاث ثم أكملها بواحدة والحقيقة أنه سلم من ثنتين وأكملهما بثنتين. والله أعلم.
وأما عن استناده صلى الله عليه وسلم إلى الجذع أو دخوله منزله عقب الصلاة فقد قال الحافظ ابن حجر في الجمع بينهما: لعل الراوي لما رآه تقدم من مكانه إلى جهة الخشبة ظن أنه دخل منزله لكون الخشبة كانت في جهة منزله. اهـ
ولا يبعد عندي أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد استند إلى الجذع، ثم دخل منزله فأخبر بالنقص فجاء فأتم وسجد، وكل من أبي هريرة وعمران ذكر واقعة لم يتعرض لها الآخر، والقصة واحدة. والله أعلم.
٦ - وفي سهو الأنبياء يقول النووي: في قوله صلى الله عليه وسلم "إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني" دليل على جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم في أحكام الشرع، وهو مذهب جمهور العلماء، وهو ظاهر القرآن والحديث، واتفقوا على أنه صلى الله عليه وسلم لا يقر عليه، بل يعلمه الله تعالى به، ثم قال الأكثرون: شرطه تنبهه صلى الله عليه وسلم على الفور متصلاً بالحادثة ولا يقع فيه تأخير، وجوزت طائفة تأخيره مدة حياته صلى الله عليه وسلم واختاره إمام الحرمين، وجوزت طائفة من العلماء السهو عليه صلى الله عليه وسلم في الأفعال البلاغية والعبادات، كما أجمعوا على منعه واستحالته عليه صلى الله عليه وسلم في الأقوال البلاغية، وأجابوا عن الظواهر الواردة في ذلك، وإليه مال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني،