والصحيح الأول، فإن السهو لا يناقض النبوة، وإذا لم يقر عليه لم يحصل منه مفسدة، بل تحصل فيه فائدة، وهو بيان أحكام الناسي، وتقرير الأحكام.
قال القاضي: واختلفوا في جواز السهو عليه صلى الله عليه وسلم في الأمور التي لا تتعلق بالبلاغ وبيان أحكام الشرع من أفعاله وعاداته وأذكار قلبه، فجوزه الجمهور. ثم قال القاضي رحمه الله تعالى: والحق الذي لا شك فيه ترجيح قول من منع السهو على الأنبياء في خبر من الأخبار، كما لا يجوز عليهم خلف في خبر لا عمدًا ولا سهوًا، لا في صحة ولا في مرض، ولا رضاء ولا غضب، وحسبك في ذلك أن سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم وكلامه وأفعاله مجموعة معتني بها على مر الزمان، يتداولها الموافق والمخالف والمؤمن والمرتاب، فلم يأت في شيء منها استدراك غلط في قول، ولا اعتراف بوهم في كلمة، ولو كان لنقل كما نقل سهوه في الصلاة، ونومه عنها، واستدراكه رأيه في تلقيح النخل، وفي نزوله بأدنى مياه بدر، وقوله صلى الله عليه وسلم "والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا فعلت الذي هو خير وكفرت عن يميني" وغير ذلك، وأما جواز السهو في الاعتقادات في أمور الدنيا فغير ممتنع. اهـ
وقال الحافظ ابن حجر: والحديث حجة لمن قال: إن السهو جائز على الأنبياء فيما طريقه التشريع، أما من منع السهو فأجابوا عن الحديث:
بأن ما حصل منه صلى الله عليه وسلم كان متعمدًا، ليقع التشريع منه بالفعل، لكونه أبلغ من القول، فقوله "لم أنس ولم تقصر" كلام على ظاهره وحقيقته، ورد بما ورد في الرواية الثامنة من قوله صلى الله عليه وسلم "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني" فأثبت العلة وقيد الحكم بقوله "إنما أنا بشر" ولم يكتف بإثبات وصف النسيان حتى دفع قول من عساه يقول: ليس نسيانه كنسياننا، دفع ذلك بقوله "كما تنسون".
وقالوا: إن قوله صلى الله عليه وسلم "إني لا أنسى، ولكن أنسى لأسن" يدل على عدم النسيان منه، مما يؤكد أن ما حصل منه في سهو الصلاة كان متعمدًا. ورد بأن حديث "إني لا أنسى" لا أصل له، فإنه من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد. قاله الحافظ ابن حجر.
وقالوا: إن حديث "بئسما لأحدكم أن يقول: نسيت آية كذا وكذا" ينكر أن ينسب إليه صلى الله عليه وسلم النسيان، لأنه إذا نهى غيره عن أن ينسب النسيان إلى نفسه كان بالنسبة له أولى. ورد بأنه لا يلزم من ذم إضافة نسيان الآية ذم إضافة نسيان كل شيء، فإن الفرق بينهما واضح جدًا. قاله الحافظ ابن حجر. والحق جواز السهو، والحديث دليل لا يسهل رده. والله أعلم.
-[٧ - ويؤخذ من مجموعة أحاديث الباب فوق ما تقدم]-
١ - استدل بهرب الشيطان عند الأذان على فضل الأذان، حيث إن هذا الفضل لا ينال بغير الأذان، واعتبره أبو عوانة دليلاً على أن المؤذن في أذانه وإقامته منفي عنه الوسوسة والرياء لتباعد الشيطان منه.
٢ - أن الوسوسة في الصلاة لا تبطلها، ولا طاقة للعبد في منعها، وإن أدت إلى نقصان الثواب.