أضيفت إلى الموت لقربها منه، وإذا أردنا فتنة القبر أريد بها غير عذابه، بل سبب عذابه، وإذا أردنا بها عند الاحتضار كانت تالية لفتنة المحيا، والأولى إرادة ما قبل الموت من فتنة المحيا، وشدة الموت وسوء الخاتمة عنده من فتنة الممات. والله أعلم.
(اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم) أي من الإثم الذي يجر إلى الذم والعقوبة، أي أعوذ بك من الوقوع في الذنب، أو من قبيل وضع المصدر موضع الاسم، أي أعوذ بك من الذنب نفسه. والمغرم الدين، يقال: غرم الرجل بكسر الراء إذا استدان فيما يجوز، وفيما لا يجوز، ثم يعجز عن الأداء، وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من غلبة الدين، وقيل: الغرم والمغرم ما ينوب ويصيب الإنسان في ماله من ضرر بغير جناية منه، وكذا ما يلزمه أداؤه من غير جناية ومنه الغرامة والغريم.
(ما أكثر ما تستعيذ من المغرم)"ما" الأولى تعجبية، و"ما" الثانية مصدرية أي ما أكثر استعاذتك من المغرم.
(إذا غرم) بكسر الراء، يعني إذا لحقه غرم.
(حدث فكذب) بأن يحتج بشيء غير صحيح لعدم الوفاء بما عليه.
(ووعد فأخلف) بأن قال لصاحب الدين: أوفيك دينك يوم كذا، أو شهر كذا، ثم لا يفي بوعده، والكذب والخلف من صفات المنافقين.
-[فقه الحديث]-
بين روايتي عائشة في قصة اليهودية أو اليهوديتين مخالفة، ففي الرواية الأولى أنكر صلى الله عليه وسلم قول اليهودية، وفي الرواية الثانية أقرها. قال النووي تبعًا للطحاوي وغيره: هما قصتان، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قول اليهودية في القصة الأولى، ثم أعلم النبي صلى الله عليه وسلم وأوحي له بذلك، ولم يعلم عائشة، فجاءت اليهوديتان، فذكرتا، فأنكرت عليهما، مستندة إلى الإنكار الأول، فأعلمها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوحي نزل بإثبات عذاب القبر. اهـ
ويؤيد هذا ما رواه الإمام أحمد بإسناد على شرط البخاري عن عائشة "أن يهودية كانت تخدمها، فلا تصنع عائشة إليها شيئًا من المعروف إلا قالت لها اليهودية، وقاك الله عذاب القبر. قالت: فقلت: يا رسول الله، هل للقبر عذاب؟ قال: كذبت يهود. لا عذاب دون يوم القيامة، ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث، فخرج ذات يوم نصف النهار وهو ينادي بأعلى صوته: أيها الناس. استعيذوا بالله من عذاب القبر، فإن عذاب القبر حق".
قال الحافظ ابن حجر: وفي هذا كله أنه صلى الله عليه وسلم إنما علم بحكم عذاب القبر إذ هو بالمدينة في آخر الأمر. اهـ.