(بالدرجات العلى والنعيم المقيم)"العلى" بضم العين جمع العلياء، وهي تأنيث الأعلى، ويحتمل أن يراد بالدرجات العلى درجات الجنة الحسية، ويحتمل أن يراد الدرجات المعنوية بمعنى علو القدر عند الله. ووصف النعيم بالإقامة إشارة إلى ضده وهو النعيم العاجل، فإنه قل ما يصفو، وإن صفا فهو بصدد الزوال.
(أفلا أعلمكم شيئًا تدركون به من سبقكم)؟ أي من أهل الأموال الذين امتازوا عليكم بالصدقة والإعتاق، والأسبقية هنا يحتمل أن تكون معنوية وأن تكون حسية، والأول أقرب.
(وتسبقون به من بعدكم) ممن لا يعمل بعملكم.
(تسبحون وتكبرون وتحمدون)"تحمدون" بفتح التاء وسكون الحاء وفتح الميم وفي رواية البخاري "تسبحون وتحمدون وتكبرون" بتأخير التكبير على الحمد كما هو صريح الروايتين الثامنة والتاسعة، وفي بعض الروايات "تكبر وتحمد وتسبح" قال الحافظ ابن حجر: وهذا الاختلاف دال على أن لا ترتيب فيها، ويستأنس لذلك بقوله في حديث البخاري في حديث الباقيات الصالحات "لا يضرك بأيهن بدأت" لكن يمكن أن يقال: الأولى البداءة بالتسبيح، لأنه يتضمن نفي النقائص عن الباري سبحانه وتعالى، ثم التحميد، لأنه يتضمن إثبات الكمال، ثم التكبير، إذ لا يلزم من نفي النقائص وإثبات الكمال أن لا يكون هناك كبير آخر، ثم يختم بالتهليل (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) الدال على انفراده سبحانه وتعالى بجميع ذلك. اهـ.
(ثلاثًا وثلاثين) قال في الفتح: يحتمل أن يكون المجموع للجميع، فإذا وزع كان لكل واحد إحدى عشرة، وهو الذي فهمه الراوي سهيل (في ملحق روايتنا السابعة) لكن لم يتابع سهيل على ذلك، بل لم أر في شيء من طرق الحديث كلها التصريح بإحدى عشرة إلا في حديث ابن عمر عند البزار، وهو ضعيف والأظهر أن المراد أن المجموع لكل فرد فرد، فعلى هذا ففيه تنازع ثلاثة أفعال في ظرف ومصدر، والتقدير: تسبحون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وتحمدون كذلك، وتكبرون كذلك. اهـ.
(قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين) قال الحافظ ابن حجر: لم يصح بهذه الزيادة إسناد، نعم جاءت عند البزار موصولة وهي رواية ضعيفة، وعند الخطيب برواية ضعيفة، إلا أن هذين الطريقين يقوى بهما إرسال أبي صالح والله أعلم.
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ظاهره القريب من النص أنه فضل الغنى، أي زيادة الأغنياء بالصدقة والإعتاق مع عملهم مثل عمل الفقراء فضل الله يؤتيه من يشاء، وبعضهم يجعل الإشارة إلى الفضل المترتب على الذكر المذكور، فجعل الفضل لقائله كائنًا من كان، وبعضهم تأول فجعل الإشارة راجعة إلى الثواب المترتب على العمل الذي يحصل به التفضيل عند الله، فكأنه قال: ذلك الثواب الذي أخبرتكم به لا يستحقه أحد بحسب الذكر ولا بحسب الصدقة، وإنما هو بفضل الله. فقصد المؤول بذلك عدم الدلالة على تفضيل الغني، قال العلماء: وهذا تأويل بعيد. وسيأتي في فقه الحديث شرح المفاضلة بين الغني والفقير.