فالمشهور عنه أنه قال: أول وقت العصر مصير ظل كل شيء مثليه -بالتثنية- قال القرطبي: خالفه الناس كلهم في ذلك حتى أصحابه -يعني الآخذين عنه- وقد انتصر له جماعة من الحنفية، فقالوا ثبت الأمر بالإبراد، ولا يحصل الإبراد إلا بعد ذهاب اشتداد الحر، ولا يذهب في تلك البلاد إلا بعد أن يصير ظل الشيء مثليه، فيكون أول وقت العصر مصير الظل مثليه. قال الحافظ ابن حجر: وحكاية مثل هذا تغني عن رده.
أما آخر وقت العصر فظاهر روايات الباب أنه اصفرار الشمس أو احمرارها، وفي الرواية التاسعة تصريح بأنه ينتهي عند بداية غروب الشمس فلفظها "ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول" وفي الباب السابق ذكرنا أن "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر".
ومن هنا قال جمهور العلماء: إن للعصر وقت اختيار ووقت ضرورة وعذر أما الثاني فهو إلى غروب الشمس وسقوط قرنها الأول، وأما وقت الاختيار فقد اختلفوا في التعبير عنه، فعن أحمد في بعض الروايات أنه حين يصير ظل كل شيء مثليه، وهو قول مالك والشافعي؛ وأصح الروايات عن أحمد أنه حين تصفر الشمس، وهو قول أبي يوسف ومحمد، وهو الموافق لروايات الباب. والتحقيق أن التعبيرين قريبان في مؤداهما.
هذا. وقد روى البخاري عن ابن عباس "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالمدينة سبعا وثمانيا، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء" أي جمع في الحضر بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء. ورواه مالك وقال بدل "بالمدينة": "من غير خوف ولا سفر" ورواه مسلم وأصحاب السنن بلفظ "من غير خوف ولا مطر" قال الحافظ ابن حجر: فانتفى أن يكون الجمع المذكور للخوف أو السفر أو المطر وجوز بعض العلماء أن يكون الجمع المذكور للمرض، وقواه النووي. قال الحافظ: وفيه نظر لأنه لو كان جمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين لعارض المرض لما صلى معه إلا من كان به نحو ذلك العذر، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بأصحابه. صرح بذلك ابن عباس في روايته. قال النووي: ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم، فصلى الظهر ثم انكشف الغيم مثلا فبان أن وقت العصر دخل فصلاها. قال النووي: وهو باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر، فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء، قال: ومنهم من تأوله على أن الجمع المذكور صوري، بأن يكون أخر الظهر إلى آخر وقتها، وعجل العصر في أول وقتها، قال. وهو احتمال ضعيف أو باطل، لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل.
قال الحافظ ابن حجر وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث، فجوزوا الجمع في الحضر للحاجة مطلقا، لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة، وممن قال به ابن سيرين وربيعة وأشهب وابن المنذر والقفال الكبير وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث، واستدل لهم بما وقع عند مسلم في هذا الحديث من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته. وقد جاء مثله عن ابن مسعود مرفوعا فيما أخرجه الطبراني، ولفظه "جمع