وقال النووي بعد أن حكى القولين قلت: والصواب الأولى، لأنه ظاهر الحديث، ولا مانع من حمله على حقيقته، فوجب الحكم بأنه على ظاهره.
وقال التوربشتي: قدرة الله أعظم من ذلك، فقد يخلق فيها آلة الكلام، كما خلق لهدهد سليمان ما خلق من العلم والإدراك، وقد حكى عن النار أن تقول {هل من مزيد}[ق: ٣٠].
وقال ابن المنير: حمله على الحقيقة هو المختار لصلاحية القدرة لذلك والشكوى والإذن والقول والتنفس وقصره على اثنين فقط بعيد عن المجاز خارج عما ألف من استعماله. اهـ
ونحن نرجح المجاز مع إيماننا بأن قدرة الله فوق كل ذلك، وفرق بين صلاحية القدرة والتسليم بأنها أنجزت، وقد ثبت بالحس والإدراك والعلم الجازم أن شدة الحر من الشمس، وأن شدة البرد من بعدها وكيف نفهم حقيقة التنفس الحار في الصيف؟ أيكون نهاراً لا ليلاً؟ وفي أيام دون أيام؟ وهل يكون في بلاد دون بلاد؟ وهل تتنفس زمهريراً طول العام في القطبين؟ وحروراً طول العام عند خط الاستواء؟ وهل يمكن حمل أكل بعضها بعضاً على الحقيقة مما يؤدي إلى فنائها أو انضغاطها؟ وهل يمكن حمل تنفسها على الحقيقة والتنفس خروج الهواء من مخرج من مخارج الحيوان؟ أظن كل ذلك قرائن مانعة من إرادة المعنى الحقيقي، وما ذكره ابن المنير من قرائن يبعد المجاز في نظره هي ترشيحات للمجاز تقرب المعنى المراد، وهي كثيرة في استعمالات العرب، قال عنترة يصف فرسه في حالة البأس:
فشكا إلي بعبرة وتحمحم
(نفس في الشتاء ونفس في الصيف) بالجر فيهما على البدل أو البيان ويجوز الرفع فيهما على أنهما خبر مبتدأ محذوف، أي أحدهما نفس في الشتاء وثانيهما نفس في الصيف. ويجوز النصب على تقدير أعني.
(فهو أشد ما تجدون من الحر، وهو أشد ما تجدون من الزمهرير) في الكلام لف ونشر مشوش، ولو رتب لقدم الزمهرير لتقدم نفس الشتاء والزمهرير شدة البرد.
(وما وجدتم من حر أو حرور فمن نفس جهنم) الحرور شدة الحر قال العلماء. و"أو" في قوله "فما وجدتم من برد أو زمهرير" وقوله "وما وجدتم من حر أو حرور" يحتمل أن يكون شكا من الراوي، ويحتمل أن يكون للتقسيم. والله أعلم.
فقه الحديث
اختلف الفقهاء في الأمر بالإبراد في الأحاديث. هل هو أمر استحباب؟ أو أمر إرشاد، أي الترخيص بالإبراد مع أن التعجيل أفضل؟ أو الأمر للوجوب؟ .