وأحمد، وأكثر الصحابة والتابعين، وهو قول الشافعي في الجديد ودليلهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نبه على تفضيل التأخير بالألفاظ الواردة في أحاديث الباب، وصرح بأن ترك التأخير إنما هو للمشقة، قال النووي: ومعناه - واللَّه أعلم - أنه خشي أن يواظبوا عليه فيفرض عليهم، فلهذا تركه كما ترك صلاة التراويح، وعلق تركها بخشية افتراضها والعجز بها، وأجمع العلماء على استحبابها لزوال العلة التي خيف منها، وهذا المعنى موجود في العشاء. اهـ وقد علل الخطابي استحباب التأخير بأنه يؤدي إلى طول مدة انتظار الصلاة، ومنتظر الصلاة في صلاة. اهـ. وهذه العلة مردودة، إذ لو صحت لاستحب تأخير كل صلاة عن أول وقتها.
هذا، ومذهب أبي حنيفة أن التأخير أفضل إلا في ليالي الصيف.
الثالث: أنه يستحب تأخيرها إلى الثلث للمنفرد والجماعة الراضين بالتأخير فأما مع المشقة على المأمومين أو بعضهم فلا يستحب، وهو اختيار كثير من أهل الحديث من الشافعية وغيرهم.
وظاهر الأحاديث يؤيده، ويقويه حديث "والعشاء أحيانًا يؤخرها وأحيانًا يعجل. كان إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطئوا أخر" رواه البخاري ومسلم.
فعلى هذا من وجد به قوة على تأخيرها، ولم يغلبه النوم، ولم يشق على أحد من المأمومين فالتأخير إلى الثلث في حقه أفضل.
ولا يخفى أن الكلام في التأخير لا يشمل التأخير إلى ما بعد الثلث الأول (عند مالك والشافعي) أو إلى ما بعد النصف عند أصحاب الرأي وأهل الحديث لأن الكلام في تعجيل الصلاة أي تأخيرها إلى نهاية وقت الاختيار، أما بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر فهو وقت جواز، خلافًا للاصطخري الذي يعد ما بعد نصف الليل قضاء.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
١ - يؤخذ من الرواية العاشرة والحادية عشرة النهي عن تسمية العشاء بالعتمة. قال النووي: وقد جاء في الأحاديث الصحيحة تسميتها بالعتمة كحديث "لو يعلمون ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبوًا" رواه البخاري وغيره، والجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أنه استعمل لبيان الجواز، وأن النهي عن العتمة للتنزيه لا للتحريم.
والثاني: يحتمل أنه خوطب بالعتمة من لا يعرف العشاء. فخوطب بما يعرفه واستعمل لفظ العتمة لأنه أشهر عند العرب، وكانوا يطلقون العشاء على المغرب. اهـ
وقال الحافظ ابن حجر: اختلف السلف في ذلك، فمنهم من كرهه، ومنهم من أطلق جوازه، ومنهم من جعله خلاف الأولى، وهو الراجح، وكذلك نقله ابن المنذر عن مالك والشافعي. ثم قال: وقيل إن النهي عن تسمية العشاء عتمة نسخ الجواز، ولا بعد في أن ذلك كان جائزًا، فلما كثر إطلاقهم له نهوا عنه لئلا تغلب السنة الجاهلية على السنة الإسلامية. اهـ فالنهي أيضًا للتنزيه لثبوت ورود