تدل روايات الباب على أن عتبان أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وشكا إليه ما أصابه وطلب منه الحضور إلى بيته، وتدل روايات مسلم في كتاب الإيمان على أن عتبان أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذهب بنفسه، إذ لفظها "أصابني في بصري بعض الشيء، فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أحب أن تأتيني، فتصلى في منزلي، فأتخذه مصلى" وقد جمع بين الروايات باحتمال أنه أسند إتيان رسوله إلى نفسه مجازًا وهو لم يذهب بنفسه للطلب، وجمع الحافظ ابن حجر بقوله: ويحتمل أنه أتاه مرة وبعث إليه أخرى.
ولا تعارض بين ما هنا من قوله:"فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر الصديق" وبين ما سبق في كتاب الإيمان من قوله: "فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء من أصحابه" إذ الأولى لا قصر فيها، وإنما اقتصر الراوي على ذكر أبي بكر من بين المصاحبين للرسول صلى الله عليه وسلم لفضله، وبذلك يرتفع ما توهم من تعارض بين ما هنا وبين ما ورد في بعض الروايات "ومعه أبو بكر وعمر" وبعضها "في نفر من أصحابه" وقال الحافظ ابن حجر: يحتمل الجمع بأن أبا بكر صحبه أولاً في ابتداء التوجه، ثم عند الدخول أو قبله اجتمع عمر وغيره من الصحابة فدخلوا معه. اهـ
وهذا الجمع لا داعي إليه بعد وضوح الجمع الأول. والله أعلم.
وظاهر رواية مسلم في كتاب الإيمان أن تحدث الصحابة في مالك بن الدخشن كان أثناء صلاته صلى الله عليه وسلم، ولفظها "فدخل فهو يصلي في منزلي وأصحابه يتحدثون بينهم، ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك بن دخشم" وحمله بعضهم أنه صلى بهم، ثم صلى وحده، فحصل الحديث وهو يصلي، واستدل به على جواز الكلام والتحدث بحضرة المصلين ما لم يشغلهم ويدخل عليهم الفساد في صلاتهم، وقال: وهذا في غير المسجد، وما لم يكن أحد المتحدثين عن يمين المصلي والآخر عن شماله.
وقد يرى الباحث أن تمادى الصحابة في تناول مالك لم يكن ينبغي بعد تنبيه الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ورده عليهم، ولكن لعلهم فهموا من كلامه صلى الله عليه وسلم أنه لا يجزم بذلك، خصوصًا وقد ورد بأسلوب الاستفهام "ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله"؟ .
ومستندهم في ذلك تخلفه عن هذا المجلس، وهذا المشهد الكثير البركة وعدم ظهور فرحه بمجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ديارهم: وعدم المبادرة إلى لقائه، بالإضافة إلى ما لاحظوه عنه من تردده على المنافقين وإصغائه إلى حديثهم.
ولم يوافقهم صلى الله عليه وسلم، فقد يكون له عذر فيما رأوا، خصوصًا وهو من أهل بدر. وقد علمت شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل بدر عامة بأن الله قد غفر لهم.
قال النووي: وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على إيمانه باطنًا، وبراءته من النفاق في الرواية الأولى بقوله:"ألا تراه قال لا إله إلا الله، يريد بذلك وجه الله"؟ وقد ظهر من حسن إسلامه ما يمنع من اتهامه بالنفاق، ففي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ومعن بن عدي، فجرفا مسجد الضرار، وما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يختاره لهذه المهمة وهو من المنافقين.