٣ - وأما النطق بخير أو الصمت فيمكن تقسيم الكلام والصمت من حيث الأحكام الشرعية إلى ستة أنواع:
أ - كلام واجب كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان حيث أمكن، وكشهادة الحق، وكالعبادات القولية الواجبة، فهذا لا شك في خيريته، والنطق به واجب، يثاب عليه.
ب - كلام مندوب كالوعظ ونشر العلم والأذكار المستحبة، والكلام الذي يؤدي إلى خير دنيوي مشروع، وهو كذلك خير محقق، والنطق به مستحب يثاب عليه.
جـ - كلام محرم تحريما ظاهرا، كالكذب والغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء والسب والفحش، والخوض في الباطل (كالغزل وذكر محاسن النساء والخمور والمحرمات). فهذا لا خير فيه، والإمساك عنه واجب.
د - كلام غير محرم في حد ذاته، لكنه يجر إلى محرم تحقيقا أو غالبا كالتقعر في الكلام، فإنه يجر إلى المقت والبغض، وكالوعد مع نية الخلف، وكمجادلة من يغضب، وكممازحة من لا يحب المزاح، وهذا أيضا لا خير فيه، والإمساك عنه واجب.
هـ - كلام لا خير فيه: مشكوك في أنه يجر إلى ضرر أو مكروه، كالكلام فيما لا يعنيك، والزيادة عن قدر الحاجة فيما يعنيك، وهذا هو المعروف بفضول الكلام، فالإمساك عنه مندوب والصمت عنه مستحب.
و- كلام مباح يستوي طرفاه.
فالنوعان الأولان داخلان في الأمر الأول "فليقل خيرا".
والثالث والرابع والخامس داخلة في الأمر الثاني "ليصمت".
والأمر على هذا لمطلق الطلب واجبا كان المطلوب أو مستحبا.
وهذا لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في النوع السادس ككلام الناس ومسامرتهم فيما لا يضر، هل يدخل في الأمر الثاني؟ أو لا يدخل في الأمرين؟ .
جمهور العلماء على أنه يدخل في الأمر الثاني، لأن الأمر الأول موجه للقول الذي تحقق أو ترجح خيره "فليقل خيرا" وهذه المسامرة مفروض أنه لا خير فيها ولا شر، والأمر بالصمت توجه لما لا خير فيه.
قال النووي في شرحه للحديث: معناه أنه إذا أراد أن يتكلم فإن كان ما يتكلم به خيرا محققا يثاب عليه واجبا أو مندوبا فليتكلم، وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه فليمسك عن الكلام، سواء ظهر له أنه حرام أو مكروه أو مباح مستوي الطرفين، فعلى هذا يكون الكلام المباح مأمورا بتركه مندوبا إلى الإمساك عنه، مخافة من انجراره إلى المحرم أو المكروه وهذا يقع في العادة كثيرا أو غالبا، وقد قال الله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: ١٨] واختلف السلف