وهناك روايات تحكي غير واحدة، فالرواية الثالثة:"يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها". والرواية الخامسة:"ثم يصلي ثلاثًا". والرواية التاسعة عشرة:"ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر اللَّه ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد ... ثم يسلم". وفي مسلم أحاديث صريحة في إحدى عشرة وثلاث عشرة.
قال النووي:"هذا كله دليل على أن الوتر ليس مختصًا بركعة ولا بإحدى عشرة، ولا بثلاث عشرة، بل يجوز ذلك وما بينه، وأنه يجوز جمع ركعات بتسليمة واحدة". اهـ.
واحتج الشافعي بالمجموعة الأولى المذكورة على أن الإيتار بركعة واحدة جائز، وبه قال الجمهور. وقال أبو حنيفة: لا يصح الإيتار بواحدة، ولا تكون الركعة الواحدة صلاة قط، ويجيب عن الأحاديث المذكورة بأن معناها يوتر بواحدة وركعتين قبلها، فيصير وتره ثلاثًا. هكذا يقول البدر العيني، ويستدل على قوله بما رواه النسائي عن عائشة:"كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يسلم في ركعتي الوتر". "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن". وهذا الاستدلال لا يسلم له، إذ يعارضه الأحاديث الكثيرة الصحيحة، ثم هذا إن صح دل على الجواز، لا على عدم صحة غيره الذي هو أصل الدعوى.
ثم يقول البدر العيني: فإن قلت: ما تقول في قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة"؟ . قلت: معناه متصلة بما قبلها، ولذلك قال:"توتر لك ما قبلها". اهـ. وواضح أن هذا التأويل إن جاز في هذه الرواية فإنه لا يجوز في مثل الرواية الأولى "يوتر منها بواحدة".
ثم يقول البدر العيني: فإن قلت: روي أنه قال: "من شاء أوتر بركعة، ومن شاء أوتر بثلاث أو بخمس"؟ . قلت: هو محمول على أنه كان قبل استقرارها. اهـ. وواضح أن هذا الاحتمال بعيد. ثم إن الحنفية يشترطون وصل الثلاث وعدم السلام بينها، ويجيبون بأن ما ثبت خلاف ذلك، كان لعذر دخول الوقت والخوف من عدم التمكن من صلاة الثلاث موصولة.
والباحث المحقق يرى قوة حجة الشافعي والجمهور ويميل إلى ما قالوا به. واللَّه أعلم.
وفي وقت صلاة الوتر يقول النووي:"يستحب جعل الوتر آخر الليل، سواء كان للإنسان تهجد أم لا إذا وثق بالاستيقاظ آخر الليل، إما بنفسه وإما بإيقاظ غيره، واستدل النووي بقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما صلى". على أن وقته يخرج بطلوع الفجر. قال: وهو المشهور من مذهبنا، وبه قال جمهور العلماء". اهـ. ويؤيد هذا ما رواه أبو داود والنسائي عن ابن عمر قال:"من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وترًا؛ فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بذلك، فإذا كان الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر". وفي صحيح ابن خزيمة:"من أدركه الصبح ولم يوتر فلا وتر له".
وقال الحافظ ابن حجر:"حكى ابن المنذر عن جماعة من السلف، أن الذي يخرج بالفجر وقته الاختياري ويبقى وقت الضرورة إلى قيام صلاة الصبح؛ وحكاه القرطبي عن مالك والشافعي وأحمد". اهـ. أما أول وقت الوتر فقيل: يدخل بالفراغ من فريضة العشاء، سواء صلى بينه وبين العشاء